الرئيس يضبط برنامج عمل الحكومة: إعادة هيكلة الإدارة وتطهيرها

في اول لقاء جمعه بها بعد تسلمها لمهامها حرص الرئيس قيس سعيد ان يحدد لرئيسة حكومته الجديدة،

سارة الزعفراني الزنزري مهام حكومتا الاساسية وبرنامج عملها الذي يجعل من تطهير الادارة واعادة هيكلتها نقطة اساسية.

هذه النطقة التي اشار اليها الرئيس وفق بلاغ رئاسة الجمهورية تعكس ما يمكن اعتباره المهمة الأساسية التي كلفت بها حكومة الزعفراني وجل الحكومات التي عينها الرئيس قبلها منذ اقرار الاجراءات الاستثنائية في جويلية 2021.

منذ ان عينت نجلاء بودن رئيسة للحكومة في اكتوبر 2021 كان جليا ان رئيس الجمهورية يرى ضرورة الانطلاق في ما اسماه بـ«تطهير الادارة» على اعتبار ان الاخيرة تم اختراقها واغراقها بالتعيينات المشبهوة وذلك ما استمر الرئيس في الاشارة اليه طيلة السنوات الثلاث الفارطة.

يرى من خلال خطة تطهير الادارة جعلها منسجمة مع تطلعات الشعب التونسي وانتظاراته، وكان ذلك عنصرا قارا في خطاب الرئيس الذي لم يغب عنه التشديد على ضرورة وضع حد للبيروقراطية والفساد اللذين تسببا في تعطيل سير المرافق العمومية واعاقة تنفيذ المشاريع التنموية.

مهمة كُلف بها كل رؤساء الحكومة المتعاقبين خلال السنوات الفارطة، وها هو اليوم يعيد تكليف رئيسة حكومته بها مع الذهاب خطوة الى الامام برسم ما يمكن اعتباره ملامح اولى لخطة عملها سواء أتعلق الامر باعادة هيكلة الادارة والغاء بعض الاقسام والمصالح او بالتلويح بتسريح للموظفين والعملة وتعويضهم بحملة الشهائد العاطلين عن العمل.

هذه الدعوة الصريحة الى تقليص حجم الادارة وتسريح موظفين ممن يثبت عليهم، وفق الرئيس، التخاذل او الفساد هي عناصر خطة تطهير الادارة التي يقدمها اليوم الرئيس ويعلن بها انه يتعاطى مع مسالة اصلاح الادارة وضبطها لجعلها منسجمة مع النظام السياسي الجديد للبلاد الذي اقره دستور 2022، وانها ليست شعارا بل هي خيار سياسي.

هذا الخيار الذي تعذر على كل رؤساء الحكومات منذ 2021 تنزيله على ارض الواقع رغم محاولة بعض الحكومات تنفيذ هذه المقاربة تحت عناوين عديدة من بينها التدقيق في التعيينات وفي الشهادات العلمية للموظفين، لكنها لم تسفر عن اي تقدم لافت في هذا الصدد اذ استمر انتقاد الرئيس لعمل الحكومة والادارة واتهمهما بالتواطئ مع اللوبيات ومع الفاسدين.

انتقاد واتهام لاحقا كل الحكومات منذ 2021. ان فشل محاولات اصلاح الادارة ادى الى اعادة تكليف رئيسة الحكومة الجديدة بنفس المهمة. ويطرح السؤال حول مدى قدرتها على تحقيق ما تعذر على سابقيها تنفيذه في ظل اقتصار التصور الاصلاحي للادارة على جعلها جهازا بيد السلطة التنفيذية ينزل كل خياراتها السياسية على ارض الواقع ويقدم لها حلولا وتصورات لتجاوز العقبات الادارية والقانونية امام تنزيل اية سياسات، مما يعنى ان تصور السلطة لاصلاح الادارة لم يؤت ثماره. وقد يكون ذلك بسبب المقاومة الداخلية من داخل الجهاز البيروقراطي او لغياب التصورات التنفيذية الواضحة لهذا الاصلاح الذي لا تعرف منه الا عناوينه الكبرى التي تبين ان البلاد باتت في حلقة مفرغة لا يمكن كسرها الا باعادة النظر في الخطة الاصلاحية التي تقترحها السلطة اليوم.

فما يبرز اليوم ان خطة إصلاح الإدارة التي حملت عنوان التطهير، رغم انها اولوية رئاسية، منذ أكثر من عامين؟ لم تحقق اي تقدم او منجز ولعل السبب ذلك انها انطلقت من مقاربة لا تجد ما يدعمها على الارض، ذلك ان الادارة التونسية تعاني من الترهل بدرجة كبيرة ينضاف الى ذلك تداخل الصلاحيات وعدم وضوح المهام والادوار في ظل نص تشريعي سمته البارزة تكبيل العمل وفرض تعقيدات قانونية تحد من هوامش المبادرة في الادارة ومن قدرة الادارة نفسها على ان تكون منسجمة كليا مع سياسات السلطة التنفيذية او مع نسق عملها.

هذا بالاضافة الى ان الادارة التونسية تعاني من البيروقراطية التي قد تكون فكرة تقليصها جذابة ولكنها غير ممكنة سواء أتعلق الامر بحذف واعادة هيكلة بعض الاقسام او بتسريح مكثف للموظفين والعملة، وذلك لوجود منظومة قانونية وتشريعية معقدة تجعل من الصعب تفكيك بعض هذه الهياكل دون عراقيل، مما يجعل من اية محاولات اصلاحية معركة طويلة تتطلب إرادة سياسية قوية، وإجراءات دقيقة وأدوات تنفيذية واضحة.

ان السلطة التنفيذية الراهنية تريدها معركة سريعة وتنتظر من الحكومات ان تنتصر فيها بقفزة واحدة وذلك ما يبدو ان حكومة الزعفراني مطالبة به اليوم.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115