تعين رؤساء الحكومة وإقالتهم: عمّا يبحث الرئيس ؟

في البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية، كشف الرئيس عن تعيينه لرئيسة الحكومة الجديدة،

سارة الزعفراني الزنزري، وشدد على ضرورة «إحكام تناسق العمل الحكومي وتذليل العقبات لتحقيق انتظارات الشعب التونسي»، وذلك وفق نص البلاغ.

هذه التوصيات التي طالما قدمها الرئيس لكل السابقين من رؤساء الحكومات، تكررت مع كل إقالة، حيث انتقد ضعف الاداء أو ابتعاد بعضهم عن الأهداف التي حددها لمسار الحكم. ومع تعاقب البلاغات الصادرة عن رئاسة الجمهورية، التي كانت تعلن عن إعفاء رئيس للحكومة وتكليف أحد الوزراء بتسيير مهامه، يطرح تساؤل جوهري حول طبيعة الإشكال في المشهد السياسي الراهن: ما الذي يريده الرئيس من حكومته؟ وما المواصفات التي يبحث عنها في الشخصية التي يختارها لترؤسها؟

منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد عن التدابير الاستثنائية في 25 جويلية 2021، بات تغيير رؤساء الحكومات سمة بارزة في المشهد السياسي، حيث اعتُبرت الإقالات ضرورية لضمان استمرارية الدولة ووحدة مؤسساتها وانسجامها. هذا المنطق تكرر منذ تعيين نجلاء بودن في أكتوبر 2021، والتي أُقيلت في أوت 2023 دون تقديم أسباب واضحة. تلا ذلك تعيين أحمد الحشاني، الذي لم يصمد في منصبه سوى عام واحد، ليتم إعفاؤه كذلك في أوت 2024 بشكل مفاجئ.

لم يكن تعيين كمال المدوري في رئاسة الحكومة استثناءً، فقد أُعيدت هيكلة الحكومة في عهده عبر تحوير وزاري واسع، اعتُبر خطوة نحو تحقيق سياسات الرئيس، الا أن المدوري لم يكمل سنة في منصبه، إذ أُقيل في مارس 2025 دون تقديم أسباب واضحة للإقالة، واكتفاء الرئاسة بتسويق خطاب يؤكد على ضرورة تحميل المسؤولية لمن يقصر في أداء واجباته.

هذه الإقالات المتكررة تعكس تعثر الرئاسة في العثور على الشخصية التي تتماشى مع تصورات الرئيس ومقولاته السياسية، وتحقق الشرطين الأساسيين: الانسجام مع الرئيس والقدرة على الإنجاز. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أن الرئيس، الذي يركز الحكم في يده، يجد في الإقالات المتتالية وسيلة لإعادة ترتيب المشهد دون تحمل المسؤولية المباشرة عن تعثر السياسات.

من خلال التصريحات والبلاغات، يتضح أن الرئيس يبحث عن شخصية تمثله في القصبة، تلتزم بتوجهاته الاقتصادية والسياسية دون معارضة، وتجد حلولًا للمعضلات التي تواجهه. لكنه في الوقت ذاته، لا يبدو قادرًا على تحقيق استقرار حكومي يُمكّن من تنفيذ سياسات فعالة ومستدامة.

قد يُنظر إلى هذا النهج على أنه وسيلة لامتصاص الغضب الشعبي، من خلال تحميل مسؤولين بارزين مسؤولية الفشل، بدل الاعتراف بأزمات أعمق في إدارة الدولة، ذلك ان الإقالات والتعيينات لا تستند إلى معايير واضحة لتقييم الأداء الحكومي، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة الرئيس على تحقيق مشاريعه وتصوراته السياسية، وحول مستقبل الاستقرار الحكومي في تونس

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115