بعد الجدل حول إيقاف الطالب الفرنسي وايقاف 11 روسيا في تونس: حــق التونسيين في المعلومة

«إيمي غودمان» اسم لأكاديمية وصحفية استطاعت أن تكون ملهمة لأجيال،

إذا تعلق الأمر بدفاعها عن حق الجمهور في المعلومات وفي المساهمة في النقاش العام في علاقة بالحريات، ومنها حرية الإعلام والحق في المعلومة، من منطلق أنهما آليتان لحماية الديمقراطية من اية انحرافات تشترك في أنها تنطلق من السعي إلى احتكار الحقائق واستبدالها بالدعاية.

وكان إسهامها الأبرز في نقاشاتها حول دور الصحافة في مقاومة احتكار الحقائق وعدم الخشية من طرح الأسئلة الصعبة على من هم في السلطة والبحث عمّا صمتت عنه السلطة عنه ولم تخبر به الجمهور في الأطر التي يرسمها العقد الاجتماعي بشأن العلاقة بين الدولة والمواطنين القائة على حقوق لا تقبل المساومة تتم حمايتها بأن تكون القرارات الجماعية مستنيرة وقائمة على معلومات موثوقة حتى لا يتحول العقد إلى هيمنة قسرية تحتكر فيها المعلومات.

احتكار تنتهجه السلطة التونسية اليوم باعتمادها سياسة اتصالية مباشرة مع التونسيين عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تلجأ إليها لنشر سرديتها وخطابها السياسي، في عملية اتصالية ذات اتجاه واحد دون تفاعل مع الجمهور وتساؤلاته، وذلك ما بات يتكرر في الاتصال الرسمي للمؤسسات التونسية التي تعتمد على آليات حجب المعلومات وإخضاع نشرها إلى تقييمها الخاص لها، من ذلك المعطيات والرواية الرسمية التونسية في علاقة بقضايا أثيرت في وسائل الإعلام الأجنبية وتعلقت بموقوفين أجانب في تونس أحيلو على القضاء آخرهم مجموعة الـ11 روسيًا الذين تم إيقافهم في منطقة حيدرة بولاية القصرين، قرب الحدود الغربية لتونس، وذلك في شهر نوفمبر الفارط وفق ما نقلته وكالة «نوفوستي» الروسية عن أقارب أحد الموقوفين.

حادثة أكّدتها السفارة الروسية في الأسبوع الأخير من ديسمبر الفارط، وفق موقع «تونيزي تيليغراف» الذي نشر خبرًا جاء فيه تأكيد السفارة على أن التحقيقات لا تزال جارية ضد 11 مواطنًا روسيًا محتجزين في تونس دون أن توجه إليهم تهم رسمية. ولم يصدر عن السلطات التونسية أو أية مؤسسة معنية بالملف أي تعليق أو تصريح للتأكيد أو النفي أو تقديم معطيات تجيب عن حزمة من الأسئلة التي تثيرها الواقعة.

ورغم سعي مؤسسات إعلامية تونسية أو أجنبية للإجابة عن أسئلة تتعلق بهوية المجموعة والتهم الموجهة إليها والأفعال الإجرامية التي قد تكون ارتكبتها وفق نص المشرع التونسي وغيرها من الأسئلة، ويبقى الصمت هو ما تقدمه السلطات التونسية و يبدو أنها لن تكسره بالاعلان عن الحادثة. ففي الفترة وقد تكرّرت في الأخيرة أحداث مماثلة واجهتها المؤسسات التونسية بطريقتين مختلفتين.

في 19 أكتوبر 2024، نُشر في الإعلام الفرنسي خبر عن إصدار القضاء التونسي بطاقة إيداع بالسجن في حق «فيكتور دوبون» طالب دكتوراه فرنسي، تم إيقافه بمنزله في تونس ووجهت اليه تهم تتعلق بتهديد أمن الدولة، ثم وقع إطلاق سراحه وسافر إلى فرنسا في نوفمبر الفارط، دون أن تُعلن السلطات التونسية عن أية تفاصيل تتعلق بالحادثة التي اتهم فيها الطالب الفرنسي وفق ما نشر في الإعلام الأجنبي، ومنها وكالة رويترز التي نقلت عن مدير المعهد الفرنسي للبحث والدراسات حول العوالم العربية والإسلامية في جامعة إكس-مرسيليا انتساب الطالب إلى مختبر البحثي بالجامعة.

القاسم المشترك بين الحادثتين ليس فقط هوية المتهمين ولا الطابع الأمني الذي تعاملت به السلطات مع الحادثتين بل صمت مؤسسات الدولة عن تقديم روايتها وما يمكن نشره من معطيات للعموم بعد بعد الكشف عن الواقعتين في الإعلام الأجنبي أصبحت معلومة في تونس وتداولها الجمهور الباحث عن إجابات، خاصة وأن البلاد شهدت في مناسبات سابقة حوادث مشابهة.

في 11 أفريل 2019، أوقف الأمن التونسي خبير الأمم المتحدة منصف قرطاس في منزله ثم أودع السجن وجهه اليه القضاء التونسي تهمة التجسس رغم انه فوض من قبل الأمم المتحدة رسميًا في سنة 2016 للتحقيق في انتهاكات الحظر المفروض على بيع الأسلحة إلى ليبيا. وقد أفسد إلقاء القبض عليه التحقيق الأممي ونجم عنه توتر دبلوماسي بين تونس والمنظمة الدولية،يومها اختارت حكومة يوسف الشاهد أن تحجب المعلومة وان تتكتم على العملية التي كشفها محامو الخبير الأممي ومنها التهم والأدلة التي استندت عليها المؤسسات التونسية لإيقاف الرجل وإيداعه السجن قبل الإفراج عنه في جوان 2019، ولم تُنشر أية تفاصيل عن الواقعة.

هذا الصمت المنتهج من قبل السلطات والذي قد يُسوق على أن مردّه سرية الأبحاث أو طبيعة المعلومات الحساسة أو غيرها من المسوغات الأمنية لمنع نشر المعلومات، لا يمكنه أن يصمد أمام حقيقة أن جزءًا من المعلومات طرح في الفضاء العام وبات محل تداول بين أفراد المجتمع خاصة بعد تكرر الحادثة وكيفية تعامل المؤسسات الأمنية معها وما ولده ذلك من أسئلة لا يمكن الإجابة عنها جزئيًا دون تقديم السلطة للمعلومات التي تسمح بتقييم الحادث وطبيعته وتبعاته.

نحن إزاء تكرر لمشهد ضبابي لا يمنح الجمهور حقه في معرفة حقائقه الرئيسية ويجعله رهين تأويل الأحداث التي قد يكون تحكم السلطة في تدفقها وتوجيهها أحد أدواتها لصياغة الحقائق وفقًا لمصالح آنية لا وفقًا لمعايير واضحة تحدد توقيت إتاحة المعلومة للجمهور، ومتى يمكن تقييدها دون الإضرار بالمصلحة العامة.

إن عدم الكشف عن المعايير المعتمدة لتقرير نشر أو حجب المعلومة وصمت السلطة والمؤسسات عن تقديم تفاصيل أو معطيات من جانبها عدا ما تقدمه عبر سياسة اتصالية أحادية الجانب لا تسمح بالسؤال أو المساءلة، في مثل هذه الأحداث أو في غيرها وفي ذلك اعتداء على حق الجمهور في المعلومة وليس فقط اعتداء على حرية الإعلام والصحافة، كما أنه ضرب للعقد الاجتماعي بين الأفراد والدولة بما يهدد بالانحراف عن الإرادة الجماعية والهيمنة باسمها وذلك ما وقعت فيه المؤسسات التونسية التي باتت تهيمن على الفضاء العام والنقاش فيه بحجبها للمعلومة أو تحكمها في تدفقها والتضييق على الوصول إليها لضمان نشر سردية دعائية تعزز السلطة وتجذره

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115