حيث تم التصويت على المشروع برمته ليمر القانون بنسبة 54 % من الأصوات، مما يكشف عن اتساع هوة التوازنات الجديدة بين الحكومة والبرلمان، مع ظهور زيادة في دائرة النواب المعارضين لخيارات السلطة التنفيذية.
في جلسة المصادقة على المشروع برمته، كانت النتيجة النهائية 87 صوتًا بـ «نعم»، و13 صوتا محتفظا، فيما صوّت 21 نائبًا بالرفض، بذلك وجدت الحكومة نفسها في موقف صعب، حيث فقدت جزءًا من دعم حزامها البرلماني الذي تشكل مع قانون مالية 2024. في المقابل، في جلسة المصادقة على القانون في ديسمبر 2023، صوّت 72 % من النواب لصالحه، في ما عارضه 2.5 % فقط من النواب.
من هنا، لا يمكننا ان نخلص إلى استنتاجات قاطعة حول تشكيل المعارضة والمساندة في علاقة بقانون المالية أو توازنات المشهد السياسي والمؤسساتي الحالي رغم أننا نعيش في مرحلة جديدة تُمهد لإعادة تشكيل البرلمان والحياة السياسية وفق توازنات متداخلة في المحددات السياسية.
النتائج التي كشف عنها التصويت تظهر أن قانون المالية لم يحظ بدعم واسع من المجلس، حيث اختار حوالي خمس النواب التصويت بالرفض، بينما تحفظ 13 نائبًا، وهذا يعكس تنوع الأسباب التي قادت النواب للتصويت بـ «لا»، مما يدل على تشكل المجلس من أفراد بدل الكتل الحزبية أو التيارات السياسية المنتظمة. لذلك، يبقى العامل الذاتي والقناعات الفردية المحددان الرئيسيان لهذا التصويت.
الصراعات الداخلية داخل المجلس ووجهات النظر المتباينة بين النواب حالت دون تشكيل كتلة أو تيار سياسي واضح يمكن اعتباره معارضًا أو ناقدًا للحكومة. ولا يعني ذلك أن التصويت ونتائجه خاليان من الأبعاد السياسية.
بداية هذا المجلس أظهرت النقاط الخلافية بين النواب والحكومة، رغم عدم ترجمتها بشكل كامل في التصويت. فقد تمحورت الانتقادات حول السياسة الجبائية التي تنتهجها الحكومة، خاصةً اعتمادها المفرط على الضرائب كمصدر رئيسي لتمويل الميزانية. كما شملت الانتقادات ضعف البرامج الاجتماعية في قانون المالية، وذلك ما عكس صراعًا بين الحكومة وبعض النواب بشأن إقرار الامتيازات الجبائية أو المنح لفائدة شرائح مختلفة من التونسيين. رغم هذا الصراع، انتهت الأمور لصالح الحكومة التي أسقطت عدة مقترحات تقدم بها النواب والتي تضمنت أعباء مالية إضافية على الميزانية.
لم تقتصر الانتقادات على البعدين الاجتماعي والضريبي فحسب، بل شملت كذلك مدى قدرة الحكومة على تنفيذ سياساتها على أرض الواقع، بالإضافة إلى الانتقادات الموجهة لغياب الموارد المخصصة للاستثمار.
لكن، باتت هذه القضايا في المرحلة الحالية جانبية بالنسبة للمعادلة السياسية والبرلمانية التي تشكلت بعد المصادقة. اليوم، نجد برلمانًا تشابكت فيه التوازنات بين الحكومة وقانون ماليتها، حيث مرّ القانون بنسبة 54 % من الأصوات، وهي أقل نسبة مصادقة على قانون مالية منذ 2012.
إن قدرة السلطة التنفيذية على إقناع أعضاء المجلس وتعبئتهم لصالح قوانينها أو تصوراتها السياسية أصبحت أكثر صعوبة، خاصة في قضايا تتعلق بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية. وهذا يعكس شرخًا بين السلطة التنفيذية والمجلس، مما يفتح الباب أمام احتمالات عديدة لتطورات سياسية جديدة.
الواضح، وجود عددً من النواب الذين يسعون للتميز عن السلطة، ولو في ملفات قد لا تحمل طابعًا سياسيًا واضحًا، و قد تكون هذه التحركات بداية تشكل مزاج سياسي جديد في البرلمان، قد يفضي إلى إعادة رسم التوازن داخل المجلس ودعم السلطة التنفيذية