سؤال متعلق بقدرة المرشحين المحتملين على جمع 10 الاف تزكية شعبية لتحقيق احد اهم شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، سؤال لو امعنا النظر فيه لوجدنا انه يخفي تحت ظلاله اسقاطا لتزكيات من البرلمان او من مجلس الاقاليم والجهات او المجالس المحلية .
هذا الاسقاط الذي يكشف عنه السؤال بشكل غير واع، يتجلى في ما يبدو في انه اختزال لشرط جمع التزكيات وجعله حكرا على التزكيات الشعبية بشكل غير رسمي او غير مباشر وواع، ففي الايام والاسابيع الفارطة كان الحديث عن التزكيات الشعبية وعن حملة جمعها من قبل الراغبين في الترشح او انصارهم، دون اشارة من بعيد او قريب عن وجود تحركات لجمع تزكيات من اعضاء المجلس التشريعي بغرفتيه، او من رؤساء المجالس المحلية.
غياب الزخم والتحركات في الغرفتين التشريعيتين او المجالس المحلية ولد انطباعا، قد يكون مختلفا كليا عن الواقع، اذ يوجد شبه اتفاق بين الجميع على ان التزكيات شعبية فقط، ولكل اسبابه، التي ولئن تفرعت وتنوعت الا انها تلتقي في فرضيات اساسية، كان ان يسعى الراغب في الترشح الى اثبات شعبيته وجدية ترشحه بتقديم تزكيات شعبية فقط، او ان يكون له موقف من مسار 25 جويلية وما افرزه من مؤسسات، والثالثة هي الانطباع لدى عدد من الراغبين في الترشح بان اعضاء مجلس النواب او مجلس الاقاليم والجهات ورؤساء الجماعات المحلية لن يقدموا لهم تزكيات ربما لاعتقادهم ان المترشحين لا يمثلونهم او لا يشبهونهم فكريا او سياسيا.
هذه الفرضية التي تنطلق من وجود انطباع لدى جزء من الراغبين في الترشح بان البرلمان بغرفتيه كذلك المجالس المحلية لم تمنح لاي مترشح من خارج العائلات السياسية الممثلة فيه او المنتصرة لمسار 25 جويلية التزكيات اللازمة للمترشحين للانتخابات، 10 نواب بالمجلس التشريعي او 10 اعضاء بمجلس الاقاليم والجهات او 40 رئيس مجلس محلي، وذلك اقرار بشكل مباشر بوجود معضلة سياسية و فكرية واخلاقية في الحياة السياسية التونسية.
فان يوجد انطباع ـ وان لم يكن مدعوما باسس تسمح بتشكله ـ بان المنتخبين في المجالس التمثيلية للشعب التونسي لن يمنحوا تزكياتهم الا لمن يشبهونهم سياسيا وفكريا او ينتسبون لمسار 25 جويلية، كاف لشرح ان المعضلة تكمن في تمثل جزء من التونسيين وممثليهم لمفهوم التعددية المنصوص عليها في الدستور والتي يمكن اعتبارها من المصطلحات القادرة على ان تختزل مفاهيم سياسية واجتماعية وفلسفية تعنى بمفهوم العيش المشترك. والاهم من كل هذا افراغ هذه المؤسسات التمثيلية من دورها غير المعلن او البارز للعيان وهو حماية وضمان التعددية في البلاد.
البرلمانات والغرف التشريعية او المجالس المحلية ليست كيانات حزبية ايديولوجية بل هي مؤسسات تمثيلية تعكس تنوع المجتمعات التي تمثلها، وذلك ما يجعل من مهامها الضمنية او من عناصر عقدها السياسي والاجتماعي حماية وضمان التعددية في البلاد بل والتشجيع عليها بالنصوص القانونية او بالمبادرات السياسية والافعال.
اليوم هذه المؤسسات، من مجلس تشريعي ومجلس اقاليم وجهات ومجالس محلية، امام اختبار جدي لمدى استبطانها لقيمة التعددية وقدرتها في الدفاع عنها وعن حق المجتمع التونسي في ان يظل متنوعا تعدديا وليس شموليا اوحد، فان يكون شرط تزكية اي مترشح من قبل مؤسسات الدولة هو انه يتناغم معها او ينتسب اليها في ذلك تنكر من هذه المؤسسات لدورها وللفكرة الاصلية التي قامت عليها وانجراف للوقوع في شرك «الرؤية الكلية» التي تستبطن نفي التعددية باقصاء كلي للمختلف من المشهد وهذا هو في اعتقادنا المؤكد ضرورة ان يعود اعضاء المؤسسات التمثيلية المنتخبة الى النقاشات الفكرية التي صاحبت اقرار مبدإ التزكيات في الترشح للانتخابات الرئاسية، لا في تونس فقط بل النظر اليها في التجارب المقارنة، للوقوف على ان هذا الشرط لم يكن منطلقه اقصائيا او بحثا عن وضع عوائق امام ممارسة الحق الدستوري بل محاولة ترشيد اللجوء الى هذا الحق وضمان التعددية، فاوجد المشرع التونسي اكثر من صنف للتزكيات ولم يحصرها في صنف بعينه، كان تكون شعبية فقط او برلمانية او محلية.
هذا التنوع هدفه ضمان اكبر هامش من الحركة وضمانات للراغبين في الترشح بانه لن يقع التضييق عليهم من قبل اي جهة او اي طرف او اية قوة. في هذا الاطار يجب ان ينظر الى التزكيات البرلمانية او المحلية على انها اداة لمنع اي تضييق على التعددية، لا ان تصبح احدى ادوات منع التعددية في المشهد بان تصبح مقترنة بمدى تناغم المترشح المحتمل مع المؤسسات والتوازنات فيها.
في الاستحقاق الفارط -للاسف- وقعت البرلمانات والمجالس البلدية في ذات الاشكال وهو انها لم تدفع في اتجاه مشهد انتخابي وسياسي اكثر تعددية بان منح نواب او رؤساء بلديات تزكياتهم لمترشحين من خارج عائلتهم السياسية او احزابهم او دوائرهم الضيقة. اليوم وفي ظل نظام انتخابي مختلف يحد من دور الاحزاب ومن هيمنتها على المشهد السياسي ، يفترض ضمنيا انه تم التخلص من هذه الممارسة، ويفترض ان يكون عدد المترشحين المحتملين الذين تمت تزكيتهم سواء من اعضاء السلطة التشريعية او من رؤساء المجالس المحلية اكبر .
هنا تكمن المعلضة المخفية في طيات سؤال هل سينجح المترشحون المحتملون في جمع 10 الف تزكية شعبية، وهي ان مؤسساتنا التمثيلية لم تستبطن بعد مدى اهمية ان تلعب دورها في ضمان التعددية وان تحول دون ان تفرغ الحياة السياسية في البلاد