وعن النسبة العامة للناجحين وتوزيعهم الجندري والجغرافي وما يستتبع ذلك من معطيات احصائية تسمح برسم صورة عن التعليم في تونس وعن واقعه اليوم.
واقع قد يحجبه جزئيا تفوق بعض الناجحين في الدورة الراهنة وتميزهم من بين اكثر من 140 الف مترشح اجتازوا على مدى 6 ايام الاختبارات قبل ان يقع الاعلان امس الاحد عن النتائج عبر الارساليات القصيرة.
ولئن لم يعلن عن تفاصيل نتائج الدورة الرئيسية، ووقع الاعلان عن هوية المتفوقين في الدورة الرئيسية والحاصلين على المراتب الاولى على المستوى الوطني كل وفق اختصاصه، الا ان ذلك يقدم لمحة اولية قد ترسخها النتائج النهائية.
تهيمن الفتيات في قائمة المتفوقين من الناجين في اختبارات الحصول على شهادة الباكلوريا عليها الفتيات، اذ ان 5 مهن حللن في المراتب الاولى في شعبهن، ما عدا فتى واحد. هذا التميز كان متوقعا في ظل هيمنة الفتيات على نسبة الممتحنين في البكالويا والتي تبلغ 61 ٪ من المجموع العام للمترشحين.
تميز الفتيات وهيمنتهن على قائمة المتفوقين على المستوى الوطني ليس فقط المعطى الاحصائي الوحيد، بل كذلك هيمنة مؤسسات التعليم العمومية على القائمة ذلك ان الستة الاوائل المتحصلين على المراتب الاولى ينتمون الى التعليم العمومي، وهم من بين 115 الف مترشح نالوا تعليمهم في المدرسة العمومية. وهذا المؤشر لا يمكن ان يبين المشهد التربوي في تونس دون النظر اليه في سياق كل المعطيات.
ما نحن ازاءه اليوم ليس تقييم التعليم العمومي، ولا تصنيفه او القول بجودته من عدمها مقارنة بالتعليم الخاص، بل في محاولة فهم المحركات التي قادت الى هذه النتائج بالاستناد الى المعطيات الاحصائية التي تبين ان المتفوقين الستة من ولايات ترسخت لديها تقاليد في تحقيق نسب نجاح عالية في امتحان البكالوريا تتجاوز المعدل الوطني خلال السنوات الخمس الفارطة على الاقل.
وهذا بدوره حصيلة لمعطيات احصائية اخرى، منها نسبة النمو ونسبة التمدرس ونسب التنمية والبطالة في كل جهة، وخاصة نسبة الامية. نحن امام اربع ولايات ذات نسبة امية اقل من المعدل الوطني، بما في ذلك ولاية منوبة التي تتجاوز فيها نسبة الامية 16 ٪ من عدد متساكنيها.
هذه المعطيات هامة لمعرفة اسباب التفوق، دون ان يعنى ذلك نزع التميز الفردي او الاجتهاد الخاص لكل فرد من هؤلاء الستة، ذلك ان عامل الفرادة والتميز والمثابرة والاجتهاد مهم مما ساهم في تميز هؤلاء، الا ان هذا لا يبين كامل معالم الصورة ولا يقدم لنا معطيات تسمح بتقييم نظامنا التعليمي.
فما هو الجلي ان المؤشرات الخاصة بالتنمية ونسبة البطالة ونسبة التمدرس وغيرها من المؤشرات الاحصائية التنموية والبشرية تسمح بفهم محفزات التميز، وهي هنا الفضاء العام الذي يحتظن المتفوقين، في الاسر او في المجتمع المحلي وفي المدرسة.
ما يشترك فيه المتفوقون الستة تقريبا، انتماؤهم لفضاء عام واسع اقل امية من الباقي كما انه أكثر نموا، اي انه مناخ اكثر استقرارا وتحفيزا ودعما لهم. هذا يبين اهمية المحيط في العملية التربوية والتعليمية، وذلك ما لا يمكن ان نغفل عنه في تصورات الاصلاح التي لا يمكنها ان تستقيم اذا اسقطنا محيط المدرسة او المعهد