خاصة في دول الثقل (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا) عن دخول الاتحاد في حقبة جديدة في تاريخيه بل اكد على تواصل الانتقال الاوروبي من اليمين الى اليمين المتطرف في مسار مشابه في بعض خصائصه لما عاشته اوروبا في مطلع القرن الفارط حتى وان اختلفت التفاصيل المحركة.
لم تحمل الانتخابات الاوروبية التي شارك فيها قرابة 180 مليون اوروبي حوالي 51 ٪ من الناخبين دلالة حول ما قد يكشف عن تغيير جذري او كلي في المشهد اذا تعلق الامر بمستقبل التكتل وقدرته على البقاء كوحدة سياسية، ولا عن طبيعة التحالف الاوروبي الامريكي أو في ملف الهجرة بكشل عام.
في هذا الصدد كشفت النتائج النهائية للانتخابات عن فوز لليمين السيادي لا اليمين المتطرف الرديكالي وهي المصطلحات المستخدمة اليوم للتمييز بين مكونات ما كان يعرف قبل بضع سنوات باليمين المتطرف، والذي كانت تحدد ملامحه عناصر اساسية مشتركة في مختلف الدول الاوروبية، وهي بالاساس معاداة المهاجرين وتقليص تاثير ودور المفوضية الاوروبية في السياسات الداخلية. اما اليوم فتتميز ملامح التمييز بين اليمين السيادي واليمين المتطرف الذي يتبنى مواقف اكثر راديكالية في علاقة بالاتحاد الاوروبي وبالناتو والمهاجرين من دول اسلامية وافريقية بالاساس.
من اصل 720 نائبا في البرلمان يمثلون 27 دولة عضوا في الاتحاد، آل ربع (¼ ) المقاعد الى اليمين التقليدي وكانت مثلها موزعة بين الاشتراكيين والليبراليين فيما فازت احزاب اقصى اليمين الشعبوية بـ8 ٪ من المقاعد خلف الاحزاب المسيحية المحافظة المتقدمة على الاحزاب البيئية.
وقد اتضح ان الهاجس المحرك في هذه الانتخابات، في علاقة بكامل دوله او بدول المركز ( المانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا والنمسا) ما يمكن ان يختزل في الوصف بثنائية الملف الاقتصادي والتقاطع بين المركزية الاوروبية والهوية القومية. وقد قدمت الاحزاب اليمينة في خطابها الشعبوي اجابات عنها لعموم الناخبين. خاصة في علاقة بملف الهجرة والمهاجرين والسياسات الاوروبية التي ستتبع لاحقا في هذا الصدد.
الانتخابات الاوروبية الاخيرة التي يقع تاويلها من قبل السياسين وخاصة في فرنسا على انها انحراف تاريخي وتهديد للقيم الاوروبية الليبرالية، ليست الا اجابة اوروبية عن وضع داخلي معقد تراكمت فيه الازمة بفعل خيارات سياسية كان يراد منها سحب البساط من التيارات اليمينية فأدى ذلك الى انتخاب تيارات يمينية اشد تطرفا.
في هذه الانتخابات برزت المعضلة الاوروبية، التي قد يعبر عنها خيار المستشار الالماني بابعاد اللاجئين السوريين والافغان الى خارج البلاد للحد من تنامي الخطاب اليميني المعادي للمهاجرين ومنع اي انتصار انتخابي لاحق لليمين . فكانت نتائج الانتخابات دليلا على فشل هذه المقاربة التي عكست عمق الازمة السياسية الاوروبية التي لازالت تطارد شبح مركزيتها في القرنين التاسع عشر والعشرين على امل استعادته في ظل وضع داخلي معقد ينبئ بمزيد التعقيد.
في الواقع الراهن كشفت الانتخابات ونتائجها عن ان الخطاب المعادي للمهاجرين والذي يطالب بوضع حد للهجرة هو الذي يتحكم في المشهد السياسي الانتخابي الاوروبي رغم انه غير ممكن لاسباب موضوعية يدركها اصحاب الخطاب أنفسهم، وهي ان اوروبا تواجه تحديات ديمغرافية لا تتجلي فقط في تهرم سكانها بل في بداية منحى تراجعي لتعداد السكان فيها نظرا لتراجع معدل الانجاب في جل دولها الى ما دون 2 ٪ القادر على ضمان تجدد الاجيال.
هذا الواقع حتم على كل الدول الاوروبية اللجوء الى المهاجرين لسد العجز في اليد العاملة وضمان استمرارية السوق الاستهلاكية الداخلية، مما يعنى ان اي تيار يميني مهما كانت وعوده بوضع حدد للهجرة وطرد المهاجرين سيكون امام حتمية معالجة مختلفة لهذا الملف لتجنب سيناريوهات اسوء مما هو متوقع اليوم لها ولاقتصادياتها التي لن تكون ضمن الخمس الاوائل في 2040.
اما العنصر الثاني والمحدد هنا فهو التقاطع بين القيم والحريات الليبرالية الاجتماعية والاقتصادية التي وقع تاويلها في الخطاب اليميني الشعبوي الذي يعتبرها اصل الازمة الاقتصادية الاوروبية لا الحرب الروسية الاوكرانية فقط وعودة الصراع بين الشرق والغرب دوليا، ولو بشكل مخفف عما كانت عليه الحرب البادردة خلال القرن الفارط.
الازمة الاقتصادية الاوروبية التي اعتبرها الناخبون نتاجا للسياسات الليبرالية التي انتهجتها اوروبا خلال العقود الاربعة الفارطة في علاقة بسياسات الهجرة أوالتبادل الحر وحركة البضائع والسلع التي عبر عنها بمقولات مثل «امريكا اولا» وقبلها «بريطانيا اولا» دفعت بالناخبين الى اختيار التيارات اليمنية التي قدمت خطابا مناقضا لليبراليين وللخضر اساسا، غير ان هذا العنصر لا يعني حصول موجة خروج او اتباع سياسة حمائية من قبل الاحزاب اليمنية خاصة ما باتت تعرف اليوم في الاعلام الاوروبي باليمين السيادي، وهو المصطلح الذي يراد به تمييز هذه الاحزاب عن احزاب اليمين المتطرف التي ظهرت حديثا في الساحة وتبنت خطابات وسياسات على اقصى يمين اليمين التقليدي، على غرار ثنائية زامور ولوبان، او ثنائية ميلوني «إخوة إيطاليا» وماتيو سالفيني «حزب الرابطة».
هذا التمييز بين مكونات اليمين المتطرف يتعلق بالاساس بنقطة وحيدة وهي الموقف من الاتحاد الاوروبي ذاته ومستقبله الذي يبدو انه قيد اعادة التشكل، لا في ملف الهجرة بل في علاقة بتكتل دوله وسياساتها المشتركة في ملفات ابرزها العلاقة بالناتو بروسيا والصين. هذا الانقسام قد يحول اليوم بين توحد قوى اليمين الاوروبية.
انقسام يشمل ايضا الموقف من البقاء في التكتل من عدمه، هذا الخلاف لا يرتقي الى تهديد مباشر وصريح لتماسك الاتحاد اليوم، اذ ان نسبة المطالبين بالخروج من هذا التكتل الاقليمي لاتزال ضعيفة كما ان تجربة «البريكس» وتكلفتها على الاقتصاد البريطاني وانعاكساتها المباشرة وغير المباشرة جعلتا من احزاب اقصى اليمين تعيد قراءتها وتتجه اكثر الى المسألة السيادية في اشارة الى قدرة كل دولة على صياغة قوانينها الداخلية بما يتناسب مع مصالحها وهذا ما يتجلى في ملف الهجرة