للانسان الفرد، من حيث هو انسان/فرد، حقوق طبيعية أي حقوق لا تنشأ من انتظام جماعة انسانية ما (عشيرة أو قبيلة أو أمة أو حضارة) بل هي - إن جازت العبارة - حقوق أنطولوجية (بالمعنى الرمزي) أي لا يمكن الفصل بينها وبين طبيعة الانسان وبهذا المعنى تتأسس القيمة الأساسية الأولى في فلسفة حقوق الانسان وهي المساواة المطلقة بين البشر بغض النظر عن كل التحديات الجماعية من جندر وعرق ودين ولغة واثنية ولون وتنشئة اجتماعية، وعلى هذه المساواة الأصلية تتأسس قيمة الحرية، فالانسان بما هو انسان، هو كائن حرّ وهو اذ يتخلى عن أجزاء من حريته مقابل الانضمام والانخراط ضمن مجموعة بشرية الا أن حريته تبقى دوما من صميم كرامته حتى وان انتهكتها عبر القرون وفي مختلف الحضارات نظم تسلطية استبدادية جعلت من استعباد الانسان (الكامل أو النسبي) شرطا جوهريا لتسلطها وديمومته.
من هنا نرى أن كل النظم التسلطية والمدارس الفكرية التي تدعمها تؤمن بأولوية الجماعة على الفرد ومن ثمة بأولوية الدولة علىالفرد وأن الفرد لا يملك من الحقوق الا ما تسمح به الدولة الجماعة. وفي مثل هذه المجتمعات تكون المحددات الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية هي الأساس وعلى الفرد أن يتحرك في المربع الصغير الباقي.
كل ما سبق ينطبق على وضعية جماعة بشرية معزولة تماما عن محيطها الخارجي.
ولكن عندما ننظر الى المجموعة البشرية في مجملها والى علاقات الهيمنة بين الأمم التي ميزت تاريخها الطويل الى يوم الناس هذا ينبغي ألا نكتفي بزاوية النظر الداخلية فحسب بل أن نردفها بفهم وضعية الفرد وحقوقه ضمن علاقات الهيمنة الدولية.
هنالك نقاش فلسفي هام ندين به لمفكرين ومنظرين وفلاسفة ما بعد الكولونيالية وخاصة في المدارس الديكولونيالية، مفاده هنا أن هذا الفرد الحرّ المطلق هو الذات الغربية الاستعمارية التي نفت عن الأفراد والمجموعات والأمم غير الغربية صفتي المساواة والحرية. فالمساواة والحرية هما للذات الغربية أما بالنسبة لبقية العالم فحظهم هو الاستعمار والهيمنة والاضطهاد.
ما معنى أن نتحدث عن الفرد وعن حقوقه وعن حريته وهو يعيش في وطن سليب الحرية كما هو الحال في كل الدول المستعمرة بصفة مباشرة وتلك التي تواصلت فيها الهيمنة الاستعمارية بعد خروج الجيوش الغازية؟
الإشكال الذي يعترضنا لا يقف عند هذا الحد بل نجد أن النظم التسلطية التي تدعي مناهضة الهيمنة الغربية تعتبر أن الحريات الفردية معاول هدم لمجتمعاتها لاختراقها وتكريس التبعية الثقافية للغرب، هكذا تعتبر هذه النظم أن حرية الضمير والتعبير وحرمة الحياة الخاصة وحق اختيار شريك الحياة والاختيارات الجنسية.. انما هي استراتيجيات غربية لمواصلة التحكم في المجتمعات المهيمن عليها..
بقدر تركيز هذه النظم على علاقات الهيمنة الدولية نراها تغمض عينيها أمام تعدد أصناف الاضطهاد والميز داخل مجتمعاتها فتصبح الهيمنة الذكورية في بعض المجتمعات علامة على الشهامة والأخلاق والأنفة.
نعتقد أن النزاهة الفكرية تقتضي أن نأخذ في الحسبان كل أصناف الهيمنة سواء أكانت بين الأمم والدول أو كانت داخل نفس الأمة أو حتى داخل نفس العائلة، والتحرر انما يكون من مختلف هذه الصنوف من الهيمنة وامتهان كرامة الانسان.
لا معنى للنضال ضدّ الهيمنة الأجنبية اذا امتهنا الانسان في الداخل ولا معنى أيضا للنضال ضدّ الهيمنة داخل بلد ما اذا قبلنا بعلاقات هيمنة بين الأمم والشعوب.
لا شك أن ازدواج أصناف الهيمنة والقهر والظلم تحتاج منا جهدا اضافيا لفهم العلاقات بين الداخل والخارج على أساس أن الحرية وحدة لا تتجزأ. الشعب المتحرر من الهيمنة الأجنبية هو الاطار السياسي السوي لتحرر الفرد.
لا معنى للديمقراطية الليبرالية دون فرد حر في شعب حرّ
يتبع
الحلقة الخامسة والأخيرة:
الديمقراطية والعلاقات الدولية والسيادة الوطنية