المهاجرون غير النظاميين في تونس: بين الأوهام العامة وحقيقة الأرقام

بتاريخ 20 ماي 2024 كشفت وزارة الداخلية عن المعطيات الاحصائية

التي توفرت لديها في علاقة بالمهاجرين غير النظاميين من دول افريقيا جنوب الصحراء، وقد كشفت الارقام التي قدمتها عن واقع مغاير كليا لما ساد خلال الاشهر والاسابيع الاخيرة.

طيلة اسابيع عدة عاش التونسيون على وقع خطاب رسمي وشعبي صور البلاد على انها مهددة بمؤامرة كبرى عنوانها «التوطين» الذي يهدد التركيبة الديمغرافية للبلاد، ويؤثر سلبا على امنها واستقرارها، مما افرز خطاب كراهية وعنف كان يحرّض على كل المهاجرين غير النظامين خاصة من دول افريقيا جنوب الصحراء ويقدمهم على انهم خطر يحدق بالبلاد والعباد.

هذا الخطر الذي عاشت البلاد على وقعه خلال اشهر عديدة، والذي انعكس على خطاب وسلوك مؤسساتها الرسمية ومنها البرلمان التونسي الذي خصص جلسة عامة لمناقشة خطر المهاجرين غير النظاميين على تونس وعلى نمط عيش التونسيين وغيرها من الصور التي رسمت في خطاب النواب او لدى مسؤولين رسميين كذلك في مجلس الامن القومي، مما خلف انطباعا باننا ازاء عدد كبير وضخم من المهاجرين غير النظاميين.

انطباع ظل مهيمنا رغم ان الاحصائيات الرسمية التي قدمها المعهد الوطني للاحصاء حتى وان لم تكن محينة تحدثت عن بضعة الاف من المهاجرين غير النظامين من دول جنوب الصحراء الا انه وقع التشكيك فيها وفي دقتها، الى ان اعلنت وزارة الداخلية يوم الاثنين في جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي وشؤون التونسيين بالخارج والهجرة عن العدد الرسمي.

جلسة استماع كشف النائب بالبرلمان ياسين مامي عن مضمونها، وكان اهم رقم قدمه عدد المهاجرين غير النظاميين المقيمين في تونس على غير الصيغ القانونية يقارب 23 الف شخص من جنسيات افريقية مختلفة.

هذا الرقم الذي قدمه النائب في سياق كشفه عن الاحصائيات التي قدمتها وزارة الداخلية وتحدث عنها الوزير في جلسة استماع بلجنة العلاقات الخارجية، يعتبر اول رقم رسمي صادر عن مؤسسة سيادية، وهو رقم يدحض كليا وجود خطر يتهدد البلاد في علاقة بالمهاجرين غير النظاميين.

وجود 23 الف مهاجر غير نظامي من دول افريقيا جنوب الصحراء مجرد رقم ضعيف صفري، لا يكاد يمثل 0.2 ٪ من عدد سكان البلاد بل انه اقل من 50 ٪ من عدد الاجانب المقيمين في تونس من جنسيات غير افريقية.

الدلالة الاولى ان هذا الرقم ضعيف ولا يشكل اي تحد امني او سياسي او استراتيجي لتونس، ويمكن قراءته في سياقاته الموضوعية المتعلقة باسباب الهجرة ودوافع تنقل البشر، والقيام بذلك سيبين ان ما واجهته البلاد خلال السنتين الفارطتين ليس امرا استثنائيا وليس خطيرا. أمر لم يعتد عليه التونسيون الذين قد يكون بعضهم قد فوجئوا بحضور كثيف للمهاجرين غير النظاميين في مناطق محددة، كالعامرة من ولاية صفاقس او البحيرة في العاصمة، لكن هذه الكثافة في هاتين المنطقتين او غيرهما نتجت عن عوامل موضوعية واخرى ذاتية، كالخصائص الطبيعية التي تتوفر في ولاية صفاقس والتي تساعد على الهجرة غير النظامية بحريا، او تواجد مقر مفوضية اللاجئين في البحيرة اما الذاتية فتتعلق ببحث المهاجرين غير النظامين عن مناخ آمن او عن جماعة يمكنها ان توفر لهم هذا الشعور، ويبدو ان الامر لا يتجاوز هذا المستوى.

الرقم الذي قدم اليوم بشكل رسمي، يبين ان الانطباع السائد الذي خلفته الحملات المنظمة في منصات التواصل الاجتماعي وانخراط جزء واسع من التونسيين فيها ولد انطباعا بأن الرقم ضخم وانه يتجاوز قدرة الدولة على ادارته، وكانت هذه اولى الاخطاء التي وقعت فيها المؤسسات الرسمية التي سايرت انطباعية الشارع.

انطباعية اضرت بصورة تونس واضرت بمؤسساتها ووفرت ارضية خصبة لخطاب الكراهية والاقصاء الذي انتشر في منصات التواصل الاجتماعي وبات اليوم يستهدف تونسيين وتونسيات

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115