في شروط تواصل الانتقال الديمقراطي

هنالك سؤال يطرح بشدة منذ 25 جويلية 2021:

هل مازالت تونس في مرحلة انتقال ديمقراطي أم لا ؟ وهل مازالت السلطة الحاكمة معنية بهذا الانتقال ام انها تعتبره جزءا من المنظومة السابقة ومن «عشرية الخراب»؟

لاشك أن بلادنا تعيش اليوم صراع ارادات وأن السلطة الحاكمة هي ملكة ومالكة الزمن وإن استمرار الانتقال الديمقراطي أو تعطله النهائي لا يرتبط فقط بإرادة الفاعلين السياسيين بل أيضا وأساسا، بالمعطيات الموضوعية للبلاد وبالتوجهات العميقة للتحولات المجتمعية والاقتصادية والثقافية التي تشق المجتمع التونسي اليوم.

بداية لابدّ من التوقف عند سؤال تمهيدي: هل قطعت تونس مع مرحلة الانتقال وذلك بغض النظر عن توصيف هذا الانتقال؟

قد توهمنا بعض المؤشرات بأن تونس قد دخلت بصفة نهائية في مرحلة استقرار وأن الدولة قد استعادت -لا فقط- هيبتها بل وأساسا سلطتها وسطوتها كذلك.

ورغم اقرارنا بأن مقبولية السلطة الاجتماعية لم تبلغ هذا المستوى منذ سنة 2011 وخاصة عند الشرائح الاجتماعية والجيلية الاكثر تمردّا، والدليل على ذلك التراجع الواضح للحركات الاحتجاجية كمّا وكيفا على امتداد كامل سنة 2023 لكن هذه المعطيات لا تعني أن البلاد تعيش حالة من الاستقرار، ولعلّ العنصر المحدد هنا هو عدم قدرة السلطة الحالية على الدفع القوي للآلة الاقتصادية ممّا جعل تونس دولة طاردة لشبابها اليوم ولا يبدو ان الامر سيتغير خلال السنوات القادمة.

هنالك ظاهرة أخرى جديرة بالدراسة وهي ارتباط المشروع الايديولوجي للرئيس بشخصه فقط وعدم تحوله الى مشروع سياسي عام ذي جاذبية، والدليل على ذلك الضعف الكبير للمشاركة الشعبية في انتخابات الغرفتين لما يسمى عندنا بالوظيفة التشريعية.. في المقابل المعارضة السياسية والاجتماعية، رغم ضعفها الظاهر، مازالت فاعلة ومؤثرة في بعض الشرائح الاجتماعية وخاصة في الطبقات الوسطى ونتيجة كل هذا ان عناصر الاستقرار والاستمرار السياسية ليست قوية رغم كل المظاهر وهذا ما يجعلنا هيكليا في مرحلة انتقال اي مرحلة عدم استقرار.

الانتقال هو السمة الطاغية اليوم حتى ولو يكن ظاهرا بوضوح للجميع. فهل هو انتقال ديمقراطي، أي يهدف الى تأسيس ديمقراطيه، ام أنه انتقال الى سلطة مركزية قوية وتسلطية؟

الجواب ليس سهلا لأن الباب مفتوح على مصراعيه على كل الاحتمالات.

سوف تعيش بلادنا في الأشهر القليلة القادمة اختبارا مصيريا حول مآل الانتقال وهو الانتخابات الرئاسية، ونحن نتحدث هنا عن المناخات العامة وعن جدية المنافسة وعن المنهج السياسي للحكم لصاحب قرطاج خلال العهدة الخماسية القادمة.

في الحقيقة لا يهم كثيرا من سينتصر في المنافسة الانتخابية القادمة، بل كيف سينتصر (او تنتصر) وماذا سيفعل (او تفعل) بهذا الانتصار؟

الأكيد أن الاجابة عن كل هذه الاسئلة ليست حكرا على المتنافسين غدا، بل في قدرة كل الفعاليات على فرض مناخ ديمقراطي للترشح وللتنافس ولمقابلة البرامج في حوارات تلفزية مباشرة حتى يكون اختيار الناخب (ة) عن وعي ودراية.

النزاهة الفكرية تفرض علينا القول ان حظوظ استمرار الانتقال ضعيفة بحكم عوامل متظافرة تريد كلها الحكم المركزي القوي، لكن التاريخ لم يكتب بعد والمستقبل ليس قدرا محتوما يسلط على الجميع بل هو نتيجة لصراع الارادات ولموازين القوى في كل المجالات

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115