والتي كانت مبرمجة بين 19 و28 أفريل 2024 في قصر المعارض بالكرم، والنية متجهة لا فقط الى تغيير الزمان بل والمكان أيضا نظرا لعدم توفر شروط السلامة على ما يبدو.
قد يبدو للوهلة الأولى أننا أمام اشكال فني لا غير ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير.
يعتبر المعرض الدولي للكتاب بتونس من أهم التظاهرات الثقافية للبلاد، وهو معرض يؤمه سنويا أكثر من 100.000 زائر علاوة على مئات الناشرين والكتبيين والموزعين من تونس والعالم العربي وبعض الدول الأجنبية الأخرى.
والمعرض ليس فقط تظاهرة تسويقية بل أيضا فضاء ثقافي لعشرات المحاضرات واللقاءات مع المؤلفين، والاعداد له يستوجب أشهرا من الاستعداد لتمحيص طلبات المشاركة ولدعوة الضيوف من الخارج مع تنظيم جوائز في اختصاصات عدة وهو تحت الاشراف المباشر لوزارة الثقافة حتى يتمتع بالامكانيات اللوجستية الكافية لاعداد تظاهرة في هذا الحجم. فكيف اذن نتفطن قبل شهرين فقط لانعدام صلاحية المحل؟ والحال أن الاستعدادات النهائية قد انطلقت منذ شهر ديسمبر الفارط! هل هو سوء الحظ أم عدم الاستعداد المبكر أم الروتين القاتل الذي ينتاب الكثير من أنشطتنا في هذه البلاد؟
لا نؤمن كثيرا بالصدفة في السياسات العمومية ولا نريد أن نقف عند المسؤوليات المباشرة لعدم التوقي من الاخلالات قبل حصولها، نريد أن نقول فقط أن الثقافة في بلادنا، كقطاعات أخرى، تشكو من غياب السياسات الطموحة وتكتفي عادة بتصريف أعمال مكتسبات سابقة مع اضافة الأكوام العادية من البيروقراطية رغم الجهد والاجتهاد للأفراد وللفرق التي مازالت تؤمن بالأهمية القصوى للفعل الثقافي.
ينبغي أن نقر بالحقيقة التالية: آخر السياسات الثقافية الطموحة تعود الى.. 40 سنة مضت زمن حكومة محمد المزالي والوزير البشير بن سلامة، ومنذ تلك الفترة لم نعد نجد اجتهادا على مستوى الدولة بل فقط التصرف اليومي مع بعض الاجتهاد المحدود والذي لم يكن دوما محمودا في المنجزات الأولى لدولة الاستقلال.
الانجاز الوحيد الذي تحقق خلال الأربعين سنة الفارطة هو مدينة الثقافة، لكن المبادرات التي أعطت لبلادنا الريادة كأيام قرطاج السينمائية - على سبيل الذكر لا الحصر - قد خبا بريقها وتجاوزتنا فيها دول كثيرة عربية وافريقية.
الثقافة، في كل بلاد، هي العلامة الأبرز لحيوية المجتمع ولقدراته الابداعية أما نحن في تونس فقد تركنا شأنها لأهل الثقافة بالمعنى الضيق للكلمة ولم تكن للدولة التونسية من سياسة ثقافية جديدرة بهذا الاسم منذ أربعة عقود على الأقل.
لقد كان بإمكاننا أن نجعل من بلادنا قطبا اقليميا مشعا ثقافيا مستغلين في ذلك وهج الحرية للثورة التونسية وأن نطور لذلك الصناعات الثقافية في الكتاب والموسيقى والسينما وألعاب الفيديو بما يخلق عشرات الآلاف من مواطن الشغل ذات القيمة المضافة المرتفعة وأن تشع تبعا لذلك الثقافة التونسية فكرا وفنونا افريقيا وعربيا ومتوسطيا لكن كل الحكومات المتعاقبة عاملت الثقافة كالزائدة الدودية، ولو لا اجتهادات وابداعات المبدعات والمبدعين كأفراد أو كمجموعات صغيرة لكان وضعنا أسوأ بكثير مما هو عليه الآن.
ليس المهم، في النهاية، أين ومتى ستنعقد الدورة 38 للمعرض الدولي للكتاب.. المهم اليوم أن نجعل من الثقافة طموحا وطنيا وأن نؤسس لربيع ثقافي يقطع نهائيا مع أوراق الخريف المتناثرة.