بفتور لم تحرك ركوده غير بعض المظاهر البسيطة للاحتفاء او الاحفتال التي لم تنجح في لفت نظر جل التونسيين من الذين يبدو انهم في قطيعة كلية تفرض على الفاعلين في الحقل السياسي او الاكاديمي اليوم البحث عن ما بقي من الثورة في العقل الجمعي التونسي؟
ويشترك المشهد العام سواء في الـ17 ديمسبر ـ باعتباره التاريخ الذي اقرته السلطة بعد 25 جويلية 2021 كتاريخ رسمي جديد لاحياء الثورة ـ او الـ14 جانفي الذي تتمسك به اطياف واسعة من المعارضة التونسية او المجتمع المدني، في عنصر اساسي وهو غياب الشارع عن الاحتفال خلال السنوات الفارطة.
على مدى عقد من الزمن فتر اهتمام التونسيين بالثورة وتاريخها مع تتالي الهزات السياسية والاجتماعية وتدهور الوضع الاقتصادي وانعكاس ذلك مباشرة على الحياة اليومية للتونسيين، الذين بات جزء منهم يعتبرون انها قوس فتح واغلق بسرعة لفشل الثورة والماسكين بالحكم باسمها في تحقيق منجز اقتصادي واجتماعي بل وفي الحفاظ على الانتقال السياسي سليما دون انحراف او تعثر مما قادنا في النهاية الى ديمقراطية معيبة.
ديمقراطية اختزلها جزء واسع من التونسيين في تهافت النخبة السياسية على الحكم واحتدام الصراعات السياسية والعنف في مؤسسات الدولة وغيرها من السلوكيات التي اعتبرها التونسيون جزءا من مشهد سلبي حملته الثورة التي انهت حالة من « الرخاء » الذي وفرته الدولة/السلطة قبل الثورة، وهذا الانطباع تنام باضطراد خلال السنوات الفارطة مع تعثر الطبقة السياسية في تقديم منجز للشارع.
غياب « المنجز » وتهافت النخبة وصراعات السياسين هو الانطباع الذي هيمن على المشهد وحجب الحقائق الموضوعية عدا مكسب هو حرية التعبير وحقوق وحريات سياسية لم تكن من اولويات جل التونسيين كما انها لم تكن في قائمة « مطالبهم » والتي كان على راسها الرخاء دون ربطه بالحرية او الديمقراطية كاصول اساسية للوصول الى الرخاء المجتمعي.
اليوم وبعد 13 سنة من انطلاق الثورة ثم مغادرة الرئيس الاسبق زين العابدين بن على للبلاد والسلطة، غابت الثورة ومطالبها عن الشارع الذي عاد الى نسق ما قبل الثورة من هيمنة الدولة على الفضاء العام وعزوف جل التونسيين عن الفعل او النقاش السياسي واعتباره اما «ملهاة او مهلكة» وتفضيل الانشغال بالقوت اليومي ومتطلبات الحياة اليومية عن الاهتمام بالشان العام في ظل اعتقاد قديم قائم على مقايضة بين الدولة ومؤسساتها باعتبارهما السلطة وبين الفرد او الجماعات باعتبارهما خاضعين لهذه السلطة مقابل توفير متطلبات الحياة.
مقايضة يبحث جزء واسع من التونسيين عن استعادة العمل بها بعد ان اغلق وفق تصورات بعضهم قوس الثورة والعشرية الفارطة بكل ماتحمله من غث وسمين ، وذلك ما يفسر نسبيا هذا الفتور الذي لا يظل العنصر الوحيد، ففي المخيال الجمعي للتونسيين تستحضر الثورة بصيغ عدة متنافرة ومتعارضة ولكنها تلتقي عند نقطة انهاء لفترة حكم يختلف تقييم التونسين لها ولطبيعة الدولة فيها ومدى قوتها واستبدادها.
اختلاف يفسر جزئيا اليوم سلوك جزء من التونسين في المشهد السياسي العام، وفي رؤيتهم للتطورات السياسية ما بعد 25 جويلية واعتبارها عملية استعادة لماضي الدولة القوية القادرة على وضع حد لما يعتبر انفلاتا او فسادا او تهافتا سياسيا، وذلك ما يفسر فتورهم تجاه الثورة واحياء ذكراها الثالثة عشر.