المعنونة بـ»List of IMF Member Countries with Delays in Completion of Article IV» ومرادفها بالعربية اختزالا قائمة الدول التي تأجل استكمال مشاوراتها مع الصندوق بعد انطلاقها وفق المادة الرابعة لمدة تتجاوز 18 شهرا، وهناك رأي ساد في تونس يحذّر من مخاطر أدارج تونس في ما عرف بـ«القائمة السلبية».
ويذهب البعض الى أن إلحاق تونس بقائمة الدول التي تعثرت مشاوراتها أو توقفت مع الصندوق لأسباب مختلفة ستكون له انعكاسات كبيرة على الاقتصاد وعلى المالية العمومية لتونس وذهب البعض إلى ان الإشارة إلى أن القائمة التي تضم فنزويلا واليمن مؤشر عن سوء الوضعية التي باتت عليها تونس.
لفهم حقيقة الامر قد يكون من المحبذ التراجع خطوة الى الوراء ومحاولة فهم هذا الاجراء الذي اتخذه الصندوق وما اثره القانوني والاجرائي، فقد ذكر صندوق النقد الدولي في وثيقته التي نشرت على موقعه باللغة الانجليزية «انه وتماشيا مع سياساته المتمثلة في الاشارة الى تاخر استكمال المراجعات او المشاورات مع دول اعضاء لفترة تجاوزت مدة الامهال تجعله يصدر قائمة تستعرض هذه الدول وتشرح سبب عدم الاستكمال».
هنا نجد ان تونس التي ادرجت في القائمة وقع ادراج اسباب التاخير تحت بند Program-related issues ومرادفها في العربية: مسائل او قضايا متعلقة بالبرنامج، وهو ما يراد به الإشارة إلى وجود تعثر في مشاورات استكمال برنامج الاتفاق الممد الذي ابرم في15 أكتوبر 2022 اي ان ادراجنا لايتعلق بتقييم جديد بل فيه اشارة الى ان صندوق النقد الدولي وخبرائه لم يقوما بمراجعتهما السنوية وفق المادة الرابعة من ميثاق الصندوق مع تونس لمدة تجاوزت فترة الامهال وهي 15 شهرا، وليست لذلك تداعيات مباشرة على الاقل في المستوى المنظور، خاصة واننا ازاء اعلان صريح من رأس السلطة التونسية بان تونس تخلت عن برنامجها مع صندوق النقد الدولي، وهي متجهة لحلول ذاتية لضمان توازناتها المالية وديمومة استدانتها.
نحن انن ازاء امر طبيعي لسياسة انتهجتها السلطة التونسية منذ الثلاثي الاول للسنة الفارطة، وقع فيها رفع شعار التعويل على الذات وحماية السيادة الوطنية من قبل السلطة في وجه صندوق النقد وما تعتبره «شروطه»، وقابلته بذالك بخيارات وإجراءات لم تعلن عنها بصفتها جزءا من تصورها لحل وضعيتها المالية المعقدة، ولكنها انتهت الى ان تصبح وان بشكل غير واع سياسة دولة مكنت من تحسين عدة مؤشرات للاقتصاد الكلي (Macroéconomie).
سياسة الدولة التونسية القائمة على رفض الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كان لها انعكاس مباشر على قدرتها على الخروج للسوق المالية الدولية او الحصول على قروض بينية او من مؤسسات دولية وضعت شرطا اساسيا وهو الاتفاق مع الصندوق، وهذا بدوره قلص من حجم تعبئة موارد مالية عبر الاقتراض الخارجي، بواقع 4 مليار دينار في ميزانية 2023، فد تقلصت الحاجات للاقتراض من 12 مليار دينار الى 10 في قانون المالية التعديلي لسنة 2023 مع الاشارة الى ان 2 مليار دينار لم تحدد مصادر تعبئتها، وهذا ما يعنى عدم الاقتراض مع نهاية السنة الفارطة، مما قلص حاجات الاقتراض الخارجي الى 8 مليار دينار.
كما ان ميزانية 2024 نصت على اقتراض 14 مليار دينار حددت الحكومة مصادر اربعة منها فيما ادرجت 10 مليار دينار في خانة قروض اخرى لم تحدد مصدرها وهو ما يشير الى امكانية ان نصل في نهاية 2024 الى تقليص هام لحاجيات الاقتراض الخارجي، وهذا في النهاية سيقود الى تقليص حجم مدينوية البلاد بشكل طفيف في 2023 مقارنة بـ2022، وهي مرشحة لان تنخفض في 2024، ولكن هذا الانخفاض مقترن بارتفاع خدمة الدين ونسبتها من اجمالي الناتج المحلي، بواقع 10.04 % في 2022 الى 13.12 % في سنة 2023 فالارتفاع الى 14.08 % في سنة 2024.
للاسف هذا النسق التصاعدي لخدمة الدين سيتواصل خلال السنة القادمة خاصة اذا تعلق بخدمة الدين الاجنبي الذي شهد تطورا بـ 40.6 في سنة 2024 عما كانت عليه في 2023.
هذا يعنى ان التحسن الطفيف في مؤشرات المديونية سيكون هشا ومهددا بانتكاسات اذا لم يقترن بتصور اقتصادي اشمل يحقق هدفا رئيسيا يتمثل في استدامة المديونية التونسية، والتي كانت محركا اساسيا في البحث عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بالاساس اي ان بعض الاجراءات التي انتهجتها الدولة التونسية، ادت الى تحسن في مؤشر المديونية وديمومتها، من ذلك تراجع الحاجة للتداين الخارجي، وتقلص عجز الميزان التجاري الذي كان ناتجا عن سياسة غير معلنة تهدف للحد من الاستيراد والتحكم فيه لحسن التصرف في مخزون الدولة من العملة الاجنبية الذي شهد بدوره تحسنا عما كان عليه في 2023 بعد موسم سياحي جيد وعائدات هامة مصدرها تحويلات التونسيين بالخارج.
كل هذه المؤشرات حينما اجتمعت قادت لتحسن في مؤشرات اقتصادية كلية، كنسبة التداين وتقلص عجز الميزان التجاري واستقرار مخزون العملة وسعر صرف الدينار كل هذه ساهم في تراجع المديونية الخارجية التونسية، لكن ذلك يظل هشا لعدم توفر المقومات اللازمة لاستقرار حالة التعافي، من ذلك تحقيق النمو والخروج من منطقة النمو الهش التي باتت معضلة هيكلية في تونس.
فالتحسن في بعض من المؤشرات سيظل ظرفيا غير مستدام في ظل عدم استعادة التوازن المالي وتحقيق النمو وخلق قيمة مضافة تسمح بالتعافي الاقتصادي والانتعاش لاحقا و وفود خبرائه للاقتصاد الكلي.