وقد بتنا اليوم امام حتمية مواجهة أسوء مخاوفنا الجماعية.
أشد هذه المخاوف ان يستمر تدهور التوازنات المالية وحالة تفكك البنى الاقتصادية في ظل مشهد سياسي اتسم منذ اشهر بهيمنة الرئاسة على كل تفاصيله ومجرياته بالتحكم في نسقه واولوياته، لتقود البلاد الى استفتاء ومنه الى انتخابات تشريعية بعد حوالي 11 اسبوعا من اليوم والتي يبدو جليا انها ستكون محطة للتنافس بين انصار الرئيس دون غيرهم.
انتخابات تهيمن اليوم على العقل السياسي للسلطة التنفيذية وأنصارها ومحيطها من اتباع ومتحمسين يراهن جميعهم على تغير البنية السياسية ونظام الحكم واعتباره «الحل السحري» للازمات المتراكمة. وعليه فان الانظار متجهة الى موعد 17 ديسمبر القادم متجاهلة حقيقة الوضع العام الصعب للبلاد والمخاطر التي تتهددها.
واول المخاطر واشدها هي ان تتعثر مساعى تعبئة موارد مالية من السوق الدولة جراء تاخر الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي ينتظر ان تستأنف المفاوضات معه في الثلث الثاني من شهر اكتوبر القادم وذلك على امل الوصول الى اتفاق اولى يدعم الحكومة لدى توجهها للسوق الدولية للاقتراض او اصدار سندات.
دون هذا الاتفاق او على الاقل دون مؤشرات ايجابية تصدر عن الصندوق تفيد بشكل قاطع عن نيته دعم تونس والاتفاق معها بشان القرض الممدد ستكون بلادنا ملزمة بان تتجه الى نادي باريس لاعادة جدولة ديونها ووضع جدول سداد جديد بشروط صعبة.
هذا الخطر قائم حتى وان حرصت مؤسسات الدولة في خطابها الرسمي على ان تنفيه او ان تتجاهله، فالتوازنات المالية الراهنة للبلاد التونسية بلغت مرحلة حرجة وهي في طريقها الى ان تصبح «كارثية» اذا تعلق الامر بوضع توازنات السنة المالية الجديدة 2023 وتحديد مصادر تمويل الميزانية. مع الاخذ بعين الاعتبار محدودية خياراتها وخطر استنزاف السوق المالية الداخلية.
مخاطر تتضمن ايضا حالة التعثر وشح الموارد ونقص السيولة لدى الدولة الي اقترضت للمرة الثالثة من اجل سداد ثمن شحنات الحبوب، وهذا ما كشفه الامر الرئاسي الصادر بالرائد الرسمي والمتعلق بقرض من البنك الاوروبي للتنمية.
وضعية تكشف عن حجم الازمة المالية وعن الفرضيات الممكنة، سواء منها للخروج منها وبداية التعافي او مخاطر الانزلاق الى وضعيات اعقد واصعب تهدد الدولة وكيانها. ولكن هذا لم تقابله اية اشارة صريحة او مبطنة تفيد بان السلطة ادركت ضرورة رسم سياسات عمومية صريحة وواضحة.
الخطاب الصادر عن السلطة التنفيذية يستمر باشكال عدة في انكار الازمة او البحث عن تبريرات لها حتى ترفع عنها الحرج وتزيح عنها مسؤولية تدهور التوازنات، من ذلك الحديث عن الاحتكار وعن تسبب استيراد بعض السلع الكمالية في عجز الميزان التجاري وفي تدهور المالية العمومية.
خطاب يبدو ان استمراره سيكون مؤشرا على ان السلطة متمسكة بالذهاب الى اقصى الازمة، عبر انكارها او البحث عن حلول غير مجدية تراهن عليها وتأمل في ان تحمل المعجزة، من قبيل الشركات الاهلية او الصلح الجزائي. والحال ان المؤشرات الاقتصادية والمالية كلها تحذر من ان استمرار تاخير الذهاب الى الحل سيكلفنا كثيرا.
بالتالي فان استمرار المشهد الحالي مع نفس العناصر من خطاب سياسي يتجاهل اولويات البلاد وحقائق الامور ويطنب في القاء المسؤولية على الاخر ويتنصل من تحمل مسؤولية الحكم مع وعد التونسيين بالرخاء والخير إذ انتظروا استكمال عملية البناء القاعدي وتغيير منظومة الحكم وباقي النصوص القانونية، ستكون نهايته ما نخشاه جميعا وهو بلوغنا مرحلة يتعذر فيها الانقاذ .