وفي الوقت الذي ينتظر فيه الجميع تنفيذ تلك الأحكام الباتة والتي لا تقبل الطعن بأي شكل من الأشكال أصدرت وزارة العدل يوم الأحد 14 أوت الجاري بيانا وصف بالمقتضب والغامض أعلنت فيها بان القضاة المشمولين بالإعفاء محل تتبعات جزائية، وهو ما يطرح عديد التساؤلات حول ما تنويه وزيرة العدل والرسالة المراد تبليغها من ذلك البيان.
كان لأحكام إيقاف تنفيذ قرارات الإعفاء الصادرة في حق 49 قاضيا وقاضية تقريبا كان صدى ايجابي جدا على الساحة القضائية عامة وفي صفوف القضاة المعنيين بصفة خاصة والذين اعتبروه انتصارا وقد أقامت جمعية القضاة التونسيين احتفالا كبيرا بهذه المناسبة وذلك بنادي القضاة بسكرة حضره عدد من ممثلي المجتمع المدني ونقابيين وجامعيين كانوا قد عبروا في وقت سابق عن مساندتهم لتحركات القضاة.
فرحة القضاة واحتفالهم بقرارات إيقاف تنفيذ عدد من الإعفاءات أو ما أسموه «بالانتصار التاريخي» الذي ينتظر تجسيده على ارض الواقع من خلال تنفيذ الأحكام الصادرة عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بتاريخ 10 أوت الجاري، أجابت عليها وزارة العدل ببيان خلّف الكثير من الجدل وأثار عديد المخاوف من عدم تطبيق ليلى جفّال للقانون، ولمعرفة القراءة القانونية لهذا البيان وما يترتب عنه بخصوص تنفيذ تلك الأحكام الإدارية تحدثنا مع كمال بن مسعود عضو هيئة الدفاع عن القضاة المشمولين بالإعفاء الذي وصف بيان الوزارة فقال «هذا البيان فيه احتقار للشعب التونسي واهانة لرئيس الجمهورية لأنه يبيّت لعدم تنفيذ قرارات إيقاف التنفيذ الصادرة لفائدة الأغلبية الساحقة من القضاة الذين تم إعفاءهم بمقتضى الأمر عدد 516 خاصة وأن الفصل 118 من دستور 25 جويلية 2022 ينصّ على أن الأحكام تصدر باسم الشعب وتنفذ باسم رئيس الجمهورية وبالتالي عدم الإذعان لأحكام القضاء هو احتقار لإرادة الشعب»
من جهة أخرى وحول الاجراءت الإدارية المعمول بها لتنفيذ أحكام إيقاف التنفيذ بيّن بن مسعود بأنها تنطلق من تسلّم القضاة المعنيين لنسخ من القرارات ويتم تبليغ المجلس الأعلى المؤقت للقضاء العدلي بها وهو يتولى بدوره توجيه مذكرة إلى كلّ من وزارة العدل ووكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية بها يأذن من خلالها باستئناف القضاة لمهامهم ومباشرة العمل بالخطط التي كانوا يشغلونها قبل قرارات الإعفاء ولكن بيان وزيرة العدل فيه نيّة مبيّتة لعدم تطبيق القانون خاصة بعد أن أعطت التعليمات بتغيير أقفال مكاتب القضاة الذين صدرت الأحكام لفائدتهم وذلك حتى تحول ماديا دون عودتهم وفق تعبيره. كما قال «ما حدث من وزيرة العدل لا يشرف الدولة التونسية فإن كان هناك ما يفيد أن القضاة محل تتبعات جزائية وفق البيان الصادر عنها فيمكنها أن تقدم مؤيداتها في قضايا الأصل التي لا تزال منشورة وإذا ثبت تورط أي قاض تتم محاسبته فلا أحد فوق القانون فنحن مع محاسبة القضاة المتورطين ولكن طبقا للقانون وضمان حق الدفاع والمواجهة والمحاكمة العادلة». علما وأنه قد تم توجيه مراسلة من المتفقد إلى الرؤساء الأول لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها ورؤساء المحاكم الابتدائية ووكلاء الجمهورية لديها والمديرين الجهويين لوزارة العدل تعلمهم فيها بوضع مكاتب القضاة المشمولين بأمر الإعفاء عدد 516 تحت طائلة الجرد بما
يتطلب منع الدخول إليها وتعيين حارس عليها داعية إياهم إلى اتخاذ كل الإجراءات المستوجبة والمحافظة على المكاتب وحماية محتوياتها وتعهيد الجهة المختصة لتفعيل أحكام الفصلين 153 و157 من المجلة الجزائية عند كل أخلال.
ما عمّق المخاوف من نوايا وزارة العدل إزاء تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية المفارقة بين بيانها الذي أعلنت فيه أن القضاة المشمولين بالإعفاء محل إجراءات تتبعات جزائية طبقا لمقتضيات المرسوم عدد 35 المؤرخ في جوان 2022 وبين جاء في تعليلات قرارات إيقاف التنفيذ الصادرة عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية الذي استند إلى عدم الإفصاح عن أسباب الإعفاء وبيان الأفعال والوقائع التي تأسس عليها فقد استحال على المحكمة بسط رقابتها عليها وأن وزارة العدل قدمت تقريرا تطلب فيها إخراجها من نطاق المنازعة، وهنا يفتح باب التساؤلات على مصراعيه، لماذا لم تقدّم وزيرة العدل المؤيدات والملفات للرئيس الأول للمحكمة الإدارية أوتقديم ما يفيد بأنها بصدد القيام بإجراءات التتبع الجزائي؟، لماذا خيّرت أن تعلن عن ذلك في بيان غامض ومقتضب؟ خاصة وأن ليلى جفّال قد أصدرت بيانا في جوان المنقضي تأكد فيها أن الملفات الجزائية التي تخص القضاة المعفيين جاهزة ولكن إضراب القضاة حال دون إحالتها على الجهات القضائية المختصة واليوم تقول إنها بصدد القيام بإجراءات التتبع، فماهي الرسالة من خلال هذا البيان وهذه المفارقات الحاصلة في هذا الملف؟
أفاد كمال بن مسعود عضو هيئة الدفاع عن القضاة المشمولين بالإعفاء أن المحكمة الإدارية استكملت إعداد قرارات إيقاف التنفيذ يوم الجمعة الفارط في ساعة متأخرة وأن المحامون تسلموا أمس الاثنين 15 أوت الحالي النسخ التنفيذية وسيتم تبليغها للجهات المعنية في انتظار التفاعل معها مؤكدا التصدي بكل الوسائل القانونية في صورة عدم تنفيذ الأحكام الإدارية وقال فيما يتعلق بالحلول الممكنة «المسألة هنا أصبحت سياسية وليست قانونية بالأساس ولكن إذا تحدثنا عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها هي التشكي الجزائي لأن عدم الإذعان للأحكام يعدّ جريمة، بالإضافة إلى التشكي الإداري في مسؤولية الدولة من اجل تعويض القضاة وهو ما سيحمل الدولة نفقات ما انزل الله بها من سلطان وهذا عين الفساد المالي»