فقد هيمنت اخبار وتطورات الازمة على الساحة فحجبت ما حمله التقرير الشهري الـ104 للمنتدى الاقتصادي والاجتماعي .
تقرير في ظاهره يعلن عن «تناقص حدة ألاحتجاجات» وتراجع عددها بشكل لافت لا فقط في شهر ماي موضوع التقرير بل في الاشهر الخمسة الاولى للسنة الحالية، اذ اشار التقرير الى ان عدد الاحتجاجات في شهر ماي الفارط بلغ 586 تحركا أي بفارق يقترب من 5% عما سجل في شهر جانفي الفارط.
لكن تراجع الاحتجاجات والتحركات المطلبية يبرز بشكل كلي اذا تمت المقارنة بين الاشهر الخمسة الأولى جانفي الى ماي، لسنة 2019 وبين الأشهر الخمسة الاولى للسنة الحالية تراجع التحركات باكثر من النصف عما كانت عليه في السنة الانتخابية.
هنا واذا كان التقرير يشير الى ان استمرار تراجع منحنى التحركات الاحتجاجية مع تقدير ان هذا مردّه «اخفاض او تراجع حجم انتظارات المواطن من مؤسسات الدولة ومضيه نحو البحث عن حلول بديلة لازمته» وفق ما حمله نص التقرير الذي يشير الى تغيير في سلوك التونسيين، من التحرك الاحتجاجي لدفع الدولة ومؤسساتها لتحقيق مطالبه ومعالجة ازماته الى البحث عن «حلول فردية» .
هذا التغيير يتزامن كما يشير نص تقرير المنتدى مع حلول «سنة انتخابية» مما يثير الانتباه خاصة وان السنوات الانتخابية في تونس شهدت في السابق، 2014 و2019 ارتفاعا في نسق الاحتجاجات الاجتماعية من اجل الضغط وفرض المطالب كأولوية على طاولة ونقاشات المترشحين .
تطور في المعطيات الاحصائية درسه المنتدى الاقتصادي والاجتماعي لينتهى بتقديم فرضيتين تفسران سبب هذا التراجع، ففي فرضيته الاولى يشير الى ان الشارع التونسي انهك وباتت الرؤيا بالنسبة اليه غير واضحة خاصة اذ تعلق الأمر «بالجهة» او السلطة التي يمكنها التفاعل معه والاستجابة وهنا يفسر الامر على انه نتيجة لحالة من الضبابية التي تميز الوضع الراهن في البلاد. اما الفرضية الثانية فهي ان الشارع التونسي اصابته «حالة يأس من مدى تفاعل مؤسسات الدولة مع مطالبه» مما انعكس على تحركاته الاحتجاجية .
لكن اللافت للانتباه هو التحذير الذي يطلقه التقرير الذي يشير الى أنه أيا كانت الفرضية الصحيحة خلف تراجع التحركات الاحتجاجية في تونس فان تبعاتها «انفجار محتمل»، يخضع لفرضيتين، فإما ان الشارع التونسي وفق تقيم المنتدي سيعود بشكل مكثف للتحرك والاحتجاجات الاجتماعية في الشارع او في الساحات او مراكز السلطة والادارة وهذه المرة ستكون عودته بنسق غير مسبوق في تونس وبقوة تهدد بانفجار اجتماعي قد يؤثر سلبا على تماسك الدولة ومؤسساتها.
اما الفرضية الثانية للانفجار فهي المضي الى السرعة القصوى في اتجاه ترسيخ قاعدة «الحل الفردي» كخيار بديل بهدف تحقيق المطالب والحاجيات، ولكن هذه الحلول الفردية ستكون عموما محصورة في التوجه نحو التهريب والهجرة غير النظامية والانتحار والشعوذة واللجوء الى شبكات المصالح وشبكات الضغط ، أي الى مزيد اضعاف مؤسسات الدولة وتماسك المجتمع الذي سيكون امام دولة عاجزة عن تحقيق مطالبه الاساسية.
هنا يتضح انه أيا كان الفرضية التي ستهيمن على المشهد التونسي، انفجار اجتماعي مرده عجز الدولة عن تحقيق المطالب الاجتماعية او تفكك تماسك المجتمع والبحث عن حلول فردية خارج اطر الدولة ومؤسساتها فان المستقبل القريب لا يبدو انه «مطمئن» لجزء هام من التونسيين.
غياب الطمأنينة وحالة الخوف من المستقبل بات انطباع عام يهيمن على المجتمع التونسي، ويبدو انه سيستشري اذا تعثرت محاولات الخروج من ازمة المالية العمومية في البلاد وفشل الحكومة في الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
اتفاق يبدو انه بات في مرتبة «الضرورة والحتمية» اذ بدونه لن تتفاقم ازمة المالية العمومية بل ستشهد البلاد انفجارتا اجتماعية حادة تهدد أيا كان شكلها بانهيار الدولة، وهذا يسلط ضغطا على السلطة السياسية والتنفيذية في البلاد التي يجب عليها اليوم ان تتحرك وان تعمل على طمأنة التونسيين.