الثقة الكبرى في الشخصيات السياسية
الانعدام الكلي للثقة في الشخصيات السياسية
قراءة وتحليل زياد كريشان
لو رمنا توصيف الحالة النفسية لعموم التونسيين خلال هذه الأشهر الأخيرة لقلنا بأنها «التشاؤل» على معنى الكلمة التي ابتدعها الروائي الفلسطيني الكبير إميل جيبي،فالتونسي - اليوم- ليس متفائلا ولا متشائما بل هو في منطقة بين الاثنين ، ولكنه تشاؤل قريب من السلبية وهو ممزوج بنوع من الإحباط كما يبينه الباروميتر السياسي لشهر فيفري الجاري الذي تنجزه مؤسسة «سيغما» بالتعاون مع جريدة «المغرب».
قبل 25 جويلية 2021 كان التشاؤم طاغيا على معنويات التونسيين وتجاوز في أشهر كثيرة نسبة %90 مع 25 جويلية وخلال الشهر الثلاثة الأول وصل التفاؤل إلى أعلى مستوياته منذ وجود هذا الباروميتر (جانفي 2015) وكان ما بين %72 و%77 بعد ذلك وعلى امتداد هذه الأشهر الثلاثة الأخيرة يتعادل التشاؤم مع التفاؤل بصفة تدعو إلى التفكير والتساؤل .
ولكن رغم الغلبة الطفيفة للتفاؤل على التشاؤم خلال هذا الشهر (%49.8 مقابل %46.2) فإن رضا التونسي على سير الأمور في البلاد سلبي إلى حدّ ما (%53 غير راضين مقابل %47 من الراضين) ونجد أن أكثر من الثلث (%35) غير راضين بالمرّة مقابل خمس العينة (%20) من الذين يعبرون عن رضاهم التام .
• في سوسيولوجية التفاؤل والتشاؤم:
• جهويا : أكثر ولايات الجمهورية تفاؤلا اليوم هي ولايات الوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) متبوعة بتونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) ثم بولايات الشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) في حين أن أكثر الجهات تشاؤما هي صفاقس بداية ثم الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) وبدرجة أقل الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) والجنوب الغربي(قفصة وتوزر وقبلي).
- جندريا الرجال أكثر تفاؤلا بكثير من النساء والفرق بينهما يتجاوز النقاط العشرة تشاؤما وتفاؤلا : %55 من الرجال متفائلون مقابل %44 من النساء و%52 من النساء متشائمات مقابل %41 من الرجال .
• اجتماعيا يغلب التفاؤل عند الطبقة المرفهة الوسطى العليا في حين أن الطبقة الشعبية هي الأكثر تشاؤما تليها في ذلك الطبقة الوسطى السفلى .
• جيليا : الشباب (15-25 سنة) هو الفئة الأكثر تشاؤما إذ يعتبر %68 منه أن البلاد تسير في الطريق الخطإ في حين أن الذين تجاوزوا الستين هم الأكثر تفاؤلا بـ%63 بينما يكون صغار الكهول (26-44 سنة) متشائمين بوضوح %56 على عكس الكهول (45-59 سنة) المتفائلين بنسبة %57.
• معرفيا الأميون وذو المستوى التعليم العالي متفائلون نسبيا بينما يكون ذوو مستوى التعليم الابتدائي والثانوي متشائمن تماما .
ماذا تقول لنا كل هذه النسب ؟
هنالك مسالة غريبة إلى حد ما إذ يبدو خطاب رئيس الدولة ،وهو المصدر الأساسي لتحويل التشاؤم العام قبل 25 جويلية إلى تفاؤل ،منتصرا للشباب وللفئات الفقيرة والمهشمة ولكننا نجد أن هذه الفئات التي يتوجه إليها رئيس الدولة أساسا هي من أكثر الفئات تشاؤما وهي تعتبر أن البلاد تسير في الطريق الخطإ في حين أن الفئات الأكثر حظا اجتماعيا ومعرفيا هي الأكثر تفاؤلا اليوم .
- كيف نفسر هذه المفارقة ؟
يبدو أن الفئات «المستفيدة» نظريا من خطاب السلطة الجديدة لم تجد شيئا من انتظارها بعد مرور حوالي 7 أشهر على عملية «التصحيح» في حين أن بعض الفئات المستفيدة نسبيا من الوضع التنموي في البلاد قد ترى في السلطة الجديدة السلطة القوية التي بإمكانها وضع حد لما تعتبره فوضى العشرية السابقة .
• انتظارات التونسيين:
عندما نسأل التونسيين عن الأولويات التي ينبغي أن تشتغل عليها الحكومة نجد المسائل الاقتصادية والاجتماعية في الصدارة وبشكل واضح : تحسين الحالة الاقتصادية والمقدرة الشرائية والحد من الفقر ومكافحة البطالة،يضاف إلى كل ذلك النهوض بقطاعي التعليم والصحة أما مكافحة الفساد ومراقبة الأسعار والمحتكرين فتاتي في المرتبة السادسة وهذا ما يؤكد مرة آخر أن انتظارات الفئات الهشة وضعيفة الاندماج في النسيج الاقتصادي هي غير السياسات الرسمية المعلنة وهذا ما يفسر غلبة التشاؤم النسبي عند هذه الفئات .
• الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية:
سعيد ثم بون
في مؤشر الثقة الكبيرة في السياسيين فإن السلطة التنفيذية هي المستفيدة الأولى في هذا الشهر إذ ربح رئيس الجمهورية خمس نقاط ليحصل على %67 من الثقة الكبيرة وربحت نجلاء بودن نقطتين لتكون في مستوى %34.
أما بقية الشخصيات فهي بعيدة جدا عن هذا الثنائي وهي كلها دون عتبة %20 من الثقة الكبيرة ثم هي سجلت كلها تراجعا في حدود ثلاث نقاط بعد ثنائي السلطة التنفيذية نجد عبير موسي بـ%18 ثم الصافي سعيد بـ %16ويختتم خماسي الطليعة عبد الفتاح مورو بـ15 نقطة .
يعكس هذا الترتيب وهذه النقاط مدى ارتياب التونسيين في الشخصيات الحزبية حيث لم تتمكن جميعها من تجاوز عتبة %50 من مجموع الثقة (الثقة الكبيرة مع الثقة النسبية) وحدها عبير موسي تقترب من هذه العتبة بـ%47 (18% ثقة كبيرة و%27 ثقة نسبية).
• الانعدام الكلي للثقة في الشخصيات العامة:
الغنوشي وحلفاؤه
عندما نعلم أن %89 لا يثقون مطلقا في راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان المعلقة أشغاله ندرك مدى جم الرفض الشعبي لما تعتبره غالبية التونسيين الرمز الأسوأ للعشرية السابقة وأن استمرار وجوده في الساحة السياسية إنما يخدم قيس سعيد فقط لا غير .
بعد راشد الغنوشي نجد نبيل القروي بـ%81 ثم علي العريض بـ%80 فسيف الدين مخلوف بـ%78 والمنصف المرزوقي بـ%76 أي مختلف حلفاء النهضة على امتداد العشرية السابقة .
هذا الرفض الكبير لأهم رموز النهضة وحلفاءها ليس جديدا بل نجده مستقرا منذ انتخابات سنة 2019 ولكنه زاد تعمقا بعد 25 جويلية 2021 وهذا ما يجعل العودة إلى هذا الماضي مسألة مستحيلة لا فقط بحكم قرارات قيس سعيد ولكن بحكم هذا الرفض الشعبي،وحتى عندما سيتراجع الدعم لرئيس الدولة أو حتى عندما ينقلب إلى رفض فإن النهضة وحلفاءها قد خسروا وبصفة تكاد تكون نهائية قلوب التونسيين وعقولهم .
غدا : سبر آراء نوايا التصويت في التشريعية والرئاسية
الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 798 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI) Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %3،5.
• تاريخ الدراسة: من 11 إلى 14 فيفري 2022