100 يوم من العمل لحكومة بودن : حكم الإدارة وغياب السياسية

انتهت فترة المائة يوم الاولى لعمل حكومة نجلاء بودن، ومعها اتضحت الصورة بقدر كبير لما ستكون عليه بقية فترة عمل هذه الحكومة

اذا استمرت في ذات النهج والسياسات التي تكشف عن ان البلاد تسير عبر «ادارة» اي اننا امام حكم بلا سياسية.
يتطلب تقييم المائة يوم الاولى لعمل الحكومة العودة الى خطاب نجلاء بودن رئيستها في موكب اداء اليمين امام الرئيس في 11 أكتوبر 2021. خطاب مقتضب وردت فيه الخطوط العريضة للسياسات العمومية المزمع اتباعها. وأبرزها عمل حكومتها على استرجاع ثقة التونسيين وترتيب الاوليات بما يستجيب لانتظارات التونسيين.

فريق حكومي رسمت له رئيسته توجهاته لعامة الكبرى وأولها «استعادة الثقة في الدولة» وفصلت الامر وجعلته استعادة الثقة في تونس لمن هم في الداخل من مواطنين وفاعلين او لمن هم في الخارج والمقصود هنا المؤسسات الدولية والمستثمرين. وهذا عنصر من 5 رسمتها الحكومة كتوجهات كبرى لها.
اي انه يمكننا تقييم فترة المائة يوم وفق ما تحقق من عناصر الخطة الحكومية وتوجهاتها الكبرى، ولعل من اهم العناصر «استرجاع الثقة» الذي يمكن من تقييم عمل الحكومة بهدف تحقيقه في الاشهر الثلاثة الفارطة.
هنا سيتضح بشكل جلي تعثر الحكومة وفشلها في تحقيق هذا الهدف خاصة اذا تعلق الامر بعلاقة الحكومة بالمنظمات الاجتماعية وبخطابها السياسي وخططها الاتصالية التي جسدت تناقض الحكومة مع اهدافها. لنسجل انخفاض مستوى الثقة في الحكومة وفق نتائج سبر الاراء الذي تراجعت فيه نسبة ثقة التونسيين في رئيسة الحكومة باكثر من عشر نقاط عن النتائج المحققة في ايامها الاولى من العمل الحكومي.

تراجع ثقة الشارع في رئيسة الحكومة، مردّه ضعف الحضور والخطاب الصادر عن نجلاء بودن وجلّ اعضاء فريقها الحكومي الذي اتبع سياسة اتصالية تقوم على «التعتيم» ورفض الظهور في وسائل الاعلام او تقديم تصريحات صحفية تقدم السياسات المتبعة من قبل الحكومة.
صمت اتصالي استنسخته الحكومة عن رئاسة الجمهورية، ولم تتخل عنه الا في مناسبات قليلة جدا، ابرزها مناسبة تقديم قانون مالية 2022 في ديسمبر الفارط. حينما تكلم 5 وزراء في ندوة صحفية قدموا فيها سياسات الحكومة العمومية في السنة المالية 2022 وما تلا ذلك من تصريحات وحورات صحفية بهدف شرح القانون واهدافه، قبل ان تعود الحكومة ووزراءها الى الصمت.

صمت لم يكسر الاّ ببلاغات تصدرها الحكومة لتعلن عن اجراءات او قرارات، هي في المحصلة استكمال لمراسيم رئاسة الجمهورية او مناشير سربت فبحثت الحكومة عن تقليص تداعياتها، خاصة المنشور عدد 20 الذي عمق حالة القطيعة بينها وبين الاتحاد العام التونسي للشغل، وادت الى توتر المناخ الاجتماعي في ابلاد.

مناخ يكشف عن تعثر استرجاع الحكومة لثقة التونسيين، ولكنه يكشف اكثر عن اقتصار هذه الحكومة على لعب دور»الادارة» دون خيارات سياسية واضحة ترسم هويتها، وهذا تكرر في العديد من المناسبات التي اختارت فيها الحكومة ان تتعاطي مع شؤون الحكم على انها مسائل ادارية يمكن معالجتها ضمن حدود الادارة وهو ما نتقده صندوق النقد الدولي بشكل مبطن عندما تحدث عن محدودية ادارة الميزانية وعن خطة الاصلاح المقدمة اليه من قبل الحكومة.

اخذ الحكم الى مربع الادارة هو ما عكسته خيارات نجلاء بودن التي افرغت القصبة من اي فعل سياسي وقدمت للتونسيين «حكما بلا سياسة» ، سواء أتعلق الامر بادارة الشؤون المالية او الاجتماعية او الصحية، فنسق انتشار العدوى بالكورونا تمت معالجته من قبل الحكومة على انه شأن اداري لذلك خيرت ان تترك الامر للجنة الصحية لتقود مجهود الحد من الانتشار والسيطرة على الحالة الوبائية، وهذا ادى الى اضطراب في قطاع التعليم لتناقض الاجراءات وتخبطها.

تخبط لم تكلف الحكومة نفسه بحله رغم ما لها من صلاحيات وسلطة على ان تضع له حد وان توحد سياسات الدولة في مجابهة الوباء، بل لازمت الصمت وتعاطت مع الامر من مقاربة «الادارة» الثقيلة المتحصنة بالنصوص والتراتيب المكبلة لاية محاولة ابداعية وابتكار لخيارات او حلول جديدة.
غياب السياسية عن العمل الحكومي ليس نقيصة يلاحظها الاعلام والمؤسسات المالية الدولية، بل هي نقيصة تقر بها الحكومة نفسها ولكنها تعجز عن تجاوزها او تحفيف وطأتها رغم ما تمنحه الظروف العامة للبلاد التونسية لهذه الحكومة من مجال حركة وفعل سياسي.

فعل لم يصدر عنها فاضعف الحكومة وجعلها شبه معزولة، فلا مدافع عنها من بين اعضائها او ممن كلفها ويشرف عليها رئيس الجمهورية الذي ارتفع صوته بنقد هذه الحكومة في مناسبتين، قانون المالية وعمل وزارة املاك الدولة كل هذا في مناخ سياسي لا حليف فيه لحكومة بودن.
مأئة يوم من عمل حكومة انتهت بان عزلت الحكومة نفسها عن المنظمات والاحزاب وجعلت منها «خصوما» اشداء، أضف الى ذلك ضعف السياسة الاتصالية لها وغياب المبادرة السياسية الضرورية لقيادة البلاد في اوضاع اقتصادية واجتماعية معقدة بشكل غير مسبوق.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115