النائب والقيادي في حركة النهضة سمير ديلو لـ«المغرب»: مقترح حكومة سياسية لـم يتطوّر بعد ليُصبح مبادرة ولو كان المرور بقوّة والمغالبة ممكنين لتمّ «تفعيل التّحوير الوزاري»

• مبادرة اتّحاد الشّغل لم تفقد أهمّيّتها ولا قوّتها ولكنّها تحتاج إلى بعض التّحيين على ضوء تحفّظات رئاسة الجمهوريّة

• يجب الاعتراف بأنّ بعض الخيارات الخاطئة قد ساهمت في تعقيد الأزمة بين مؤسّسات السّلطة
تحدث القيادي والنائب في مجلس نواب الشعب عن حركة النهضة سمير ديلو في حواره لـ«المغرب» عن مبادرة حركة النهضة بتشكيل حكومة سياسية برئاسة هشام المشيشي وأكد أنها مازالت مجرد مقترح وأنها لم تتطور بعد لتصبح مبادرة، وتساءل كيف سيتم تنزيل أيّ مبادرة على أرض الواقع حتّى في فرضيّة مقابلتها بالتّفاعل الإيجابي في ظلّ أزمة مستفحلة، مشيرا إلى أن التّقديرات التي انبنت عليها الميزانيّة قد تجاوزتها الأحداث، واعتبر أن الأهمّ في أيّ حوار مفترض هو برنامج متكامل أُفُقُه انتخابات 2024 ويشمل الاتفاق على الإصلاحات التّشريعيّة العاجلة لا مجرّد هندسة لحكومة جديدة، كما كشف عن أنه يفضل مبادرة الحوار الوطني لاتحاد الشغل على مبادرة حكومة سياسية، وبين أن مبادرة الاتحاد لم تفقد أهميتها ولكنها تحتاج إلى التحيين، هذا وتحدث ديلو عن الأزمة داخل النهضة واللقاء الذي جمع رئيس الحركة مع رئيس الحكومة ومع نبيل القروي.

• ما موقفك من مبادرة حركة النهضة لتكوين حكومة سياسية برئاسة هشام المشيشي؟
هو مقترح لم يتطوّر بعد - في تقديري - ليُصبح مبادرة، ولا أظنّ أنّ أيّ حسم في التّفاصيل - بما في ذلك حول من سيترأّسها سيمنحها فرصة حقيقيّة لتلقى تجاوبًا من المعنيّين بهذه الفكرة / «المبادرة»..! فضلا عن أنّ السّؤال الرّئيسيّ في ظلّ أزمة مستفحلة ليس «ماذا ؟» ، ولا «من ؟» ، بل .. «كيف ؟ « : كيف سيتمّ تنزيل أيّ مبادرة على أرض الواقع حتّى في فرضيّة مقابلتها بالتّفاعل الإيجابي ؟؟ ولو كان المرور بقوّة والمغالبة ممكنين لتمّ « تفعيل التّحوير الوزاري « كما اقترح ذلك البعض دون توقّف على أداء اليمين أمام رئيس الجمهوريّة ..!، ولكن لو كان ذلك بالتّوافق مع رئيس الجمهوريّة فان الأمر لا يحتاج الى مبادرات تستبق الحوار بل الى حوار تُطرح فيه كلّ المقترحات..!

• وحسب رأيك ما الحلول الكفيلة لتجاوز الأزمة السياسية؟
لا معنى - ولا جدوى - في الظّروف الكارثيّة الحاليّة لأيّ حلّ لا يأخذ بعين الاعتبار أولويّة مكافحة الجائحة وإنقاذ أرواح التّونسيّين ، يجب أن يعي كلّ الفاعلين السّياسيّين أنّ الوضع في البلاد قد تغيّر جذريّا فقد كانت كلمة الحرب تُستعمل في بداية الجائحة لشحذ الهمم وتحفيز الجهود ولكنّ ما نقدّمه من ضحايا - يفوق عددها المائة يوميّا - يجعلنا في حالة حرب حقيقيّة فاق عدد ضحاياها لحدّ اليوم بآلاف كثيرة شهداء حرب الجلاء ..!
كما إنّ التّقديرات التي انبنت عليها الميزانيّة تجاوزتها الأحداث فبرميل النّفط تجاوز الـ 80 دولارا ( في حين كانت التقديرات في حدود 45 دولارا .. ) وإذا استقرّ سعر البرميل في هذا المستوى فلن يقلّ مبلغ الدّعم هذه السّنة عن 1700 مليون دينار ( وهو مبلغ لا تزال طريقة توفيره غير محدّدة..! ، تماما كمبلغ الـ 6 آلاف مليون دينار الواجب توفيرها لسدّ عجز المؤسّسات العموميّة ..).
لن تعلن الجائحة وقفا أحاديا للعدوان في انتظار ما يسفر عنه الحوار ..! .. ولذلك يجب أن تصح بالحوار - في رأيي - ترتيبات انتقاليّة عاجلة تضمن نجاعة الأداء وانسجام مجهودات كلّ السّلطات العموميّة في المجالين الصّحّي والاقتصادي ، فضلا عن أنّ الأهمّ في أيّ حوار مفترض وهو برنامج متكامل أُفُقُه انتخابات 2024 يشمل الاتفاق على الإصلاحات التّشريعيّة العاجلة ( كالقانون الانتخابي وتنظيم الأحزاب و الجمعيّات ..) وتركيز الهيئات الدّستوريّة (وعلى رأسها المحكمة الدّستوريّة ) والهيئات المستقلّة ، والإصلاحات الاقتصادية الضّروريّة ( منظومة الدّعم ، وإنقاذ الصّناديق الاجتماعية والمؤسّسات العموميّة ، و إنجاح المفاوضات مع المموّلين -؛خاصّة في ظلّ تثّر المفاوضات مع صندوق النّقد الدولي وتراجع ترقيمنا السّياديّ من B إلى - B مع آفاق سلبيّة).. لا مجرّد هندسة لحكومة جديدة..!

• ما المطلوب من حركة النهضة ومن الرئاسة للنجاح في تجاوز الأزمة السياسية؟
المطلوب من حركة النّهضة أن يكون خطابها الإعلامي و أداؤها السّياسي التّواصليّ منسجما مع شعارات الحوار والبحث عن توافق لكن ذلك غاب للأسف في الأشهر الماضية ويجب الاعتراف أيضا بأنّ بعض الخيارات الخاطئة قد ساهمت في تعقيد الأزمة بين مؤسّسات السّلطة، أمّا الرّئاسة فمن حقّ المواطنين أن ينتظروا منها مبادرات ومشاريع حلول لا مجرد تشخيص للأزمة وتحميلا للمسؤوليّات فيها ..

• يروج أن هناك صفقة جديدة تتم حاليا بين رئيس الحركة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي حول حقائب وزارية فما مدى صحة ذلك.؟
علمت بلقاءٍ تمّ ولكن لا علم لي بمُخرجاته ، وكلمة «صفقة» لا تحيل على أيّ معنى يحيل على الممارسة السّياسيّة - التي أؤمن بها- أي المنضبطة للقيم والأخلاق والأخلاقيّات .. وبالتّالي فكلّ تعاطٍ مع الشّأن العام يجب أن يكون من بوّابة الشّفافيّة والصّراحة والصّدق لا من «نُوَيفِذة» الصّفقات وحسابات الرّبح والخسارة.. هذه لحظة وطنيّة بامتياز ، ولئن صحّ شعار «الوطن قبل الأحزاب» في الظّروف العاديّة فلا مجال في ظروف نخسر فيها عشرات الأرواح من مواطنينا يوميّا إلاّ نكران كلّ الاعتبارات والتّمحّض والتّفرّغ لما ينفع النّاس و يساهم في إنقاذ الأرواح .. قد يبدو هذا كلاما عاطفيّا نظريّا ولكنّه خلاصة كلّما أؤمن به وأشعر به وأدعو الى فعله وأسعى الى القيام به ..!

• هل من الممكن اليوم العودة إلى مبادرة اتحاد الشغل؟
مبادرة اتّحاد الشّغل لم تفقد أهمّيّتها ولا قوّتها ، ولكنّها تحتاج - في رأيي - إلى بعض التّحيين على ضوء تحفّظات رئاسة الجمهوريّة واستفحال الجائحة الصّحّيّة ممّا يفرض إجراءات انتقاليّة تبدأ مع بداية الحوار وتفضي إلى تنفيذ ما يتّفق عليه المتحاورون ..

• أيهما تختار حوارا وطنيا أم حكومة سياسية؟
حوار وطنيّ بالطّبع، لأنّه الإطار الوحيد الذي يسمح بطرح كلّ الأسئلة وخاصّة أهمّها: كيف سيتمّ تنفيذ ما يتمّ التّوافق عليه .. ؟

• تشترط النهضة وجود حلفائها في كل المبادرات المطروحة أي قلب تونس وائتلاف الكرامة في ظلّ مشهد معلوم، ألا يعتبر هذا الشرط معرقلا للحلّ؟
تحرّي النّجاعة يقتضي عدم خوض أيّ حوار أو طرح أيّ مبادرة تحت وطأة الاشتراطات ، ولكنّ تقارب وجهات النّظر والتقاء المصالح أمر واقع لا يمكن نكرانه في علاقات تحكمها موازين القوى.

• إلى أين وصلت المساعي داخل الحركة لتجاوز الخلافات الداخلية؟
أشعر بحرج شديد في الحديث عن الشّأن الدّاخليّ للحزب في هذه الظّروف التي نواجه فيها الموت ومن الطّبيعيّ أن يكون آخر همّ للمواطنين - الذي يواجهون بالإضافة لذلك جائحة معيشيّة - ما يجري داخل الأحزاب التي يحمّلونها - دون استثناء مع تفاوت في الأقدار - مسؤوليّة ما يواجهونه من جوائح مظلمة بعضها فوق بعض .. ،
ولكن - ولإبعاد شُبهة التّهرّب من الجواب.. أكتفي بالقول إنّ المصالحة الدّاخليّة جزئيّة وبطيئة ومتعثّرة وفي مفترق طرق ، فرغم بعض الخطوات الإيجابيّة كالتّجسيد النّسبيّ والمحسوب للانفتاح في المكاتب المركزيّة، والتعهّد بعدم خرق مقتضيات القانون الدّاخلي الضّامن للتّداول ولا تغييره ، وإقرار عقد المؤتمر العام قبل نهاية السّنة الحاليّة - بعد تأجيل موعده في مناسبتين - لازالت المصالحة شديدة الهشاشة نتيجة تواصل تهميش المؤسّسات باعتماد دوائر قرار موازية وتضخّم دور بعض المؤسّسات على حساب أخرى ، وإطلاق العنان لنيران « داخليّة صديقة « تتعمّد استعمال شبكات التّواصل لتشويه ومهاجمة بعض القيادات التي لم يُغفر لها مطالبتها باحترام القانون وبتكريس الحوكمة والشّفافيّة والتّحقيق الجدّيّ في ما يُنسَب للبعض من تجاوزات ..
وفي كلّ الأحوال الأحزاب مجرّد أدوات لتشغيل عقل جمعي وجهود جماعيّة لخدمة النّاس وتغيير واقعهم نحو الأفضل فإذا تحوّلت إلى أدوات هدفها الوحيد الوصول الى السّلطة وتحقيق المغانم لأبنائها ، ورفضت كلّ مساءلة وتّمسّكت بحالة الإنكار ، وأسكتت كلّ الأصوات المخالفة ، و فضّلت رفاهيّة التّبرير والتنصّل من المسؤوليّة على تكبّد مصاعب النّقد الذّاتي .. فلا خير فيها بل .. ولا مشروعيّة لها .. ولكن .. رغم كلّ تعقيدات الواقع يبقى التّفاؤل ضرورة حيويّة والأمل قائما، وقديما قال الخوارزمي :« الأمل ليس حُلما.. بل طريقة لجعل الحلم حقيقة ..»..!

• لو تمّ ربط المسارات بالبرلمان وفشل رئيسه راشد الغنوشي في إدارته وقدمت حزمة من المقترحات تتلخص بالأساس في إدخال تغييرات على رئاسة البرلمان، فهل تذهب حركة النهضة مع ما يطرح؟
الأصل أنّ تقييم الأداء يخضع لمعايير دقيقة وموضوعيّة وليس الحال كذلك عندما يقيّم الفرقاء السّياسيّون بعضهم بعضا ، ولكن إذا وقفنا عند معاينة المآلات فليس أبلغ من انحدار الثّقة في البرلمان لدى نسبة كبيرة من التّونسيّين و من تردّي الصّورة التي يقدّمها في جلساته العامّة - رغم حجم المنجز في اللجان وفي بعض الجلسات «الهادئة «..!
لم يكن مفاجئا أن يتمّ استهداف رئيس حزب يترأّس مؤسّسة دستوريّة بأهمّيّة البرلمان، وقدّ نبّه بعض قياديّي النّهضة الى ذلك قبل انتخابات 2019 ولم يُستَمع اليهم .. وقد كان واضحا منذ لحظة أداء اليمين - خاصّة من سلوك كتلة الدّستوري الحرّ - أنّ الهدف كان استهداف البرلمان لا فقط رئيسه ، ولكن تبقى فترة رئاسة الأستاذ عبد الفتّاح مورو للمجلس دليلا على أنّ حجم الاستهداف والاستقطاب الذين تثيرهما شخصيّة راشد الغنّوشي لا يضاهيهما مثيل لدى غيره حتّى من قيادات النّهضة ..ولكنّ من السّذاجة تصوّر أنّ مجرّد تنحّيه من رئاسة المجلس - بعد أن فشلت محاولات إسقاطه – كافٍ ليقوم البرلمان بدوره دون تعطيل ، بل يجب أن يكون ذلك - إذا كان - في إطار رؤية متكاملة وليدة حوار لا مغالبة ..!

• ما موقف الحركة من الفوضى الحاصلة في البرلمان والاعتداءات التي وقعت طيلة الدورة البرلمانية وماهي مقترحاتكم لتفادي مزيد تعطيل أشغال المجلس؟
العنفُ مدانٌ ولا مجال لتبريره أو تهوينه بسبق صدوره عمّن تعرّض له ..حالات العنف المادّي لم تكن مفاجئة في ظلّ تواتر حالات العنف اللّفظي والتّطبيع معها ، وأبرز من دأب على العنف اللّفظي - وحتّى العنف المادّي باحتلال منصّة قاعة الجلسات العامّة ومنع الصحفيّين من التّصوير - هي رئيسة كتلة الدّستوري الحرّ فلم يسلم من شتائمها وبذاءاتها نائب ولا صحفيّ ولا عاملة نظافة ولا وزير - دون تمييز بين رجل وامرأة .. !- ، ولكنّ كلّ ذلك لا يبرّر ردّ الفعل العنيف تجاه استفزازاتها .. وما حصل تجاهها في جلسة 30 جوان من عنف مادّي أمام أنظار النّوّاب و المتابعين خطوة غير مسبوقة وممارسات يعاقب عليها القانون الجزائي ..
وفي رأيي لا بدّ من سنّ تدابير جديدة لتنظيم العلاقات بين النّوّاب وبينهم و بين رئاسة الجلسات العامّة واللّجان فالنّظام الدّاخليّ الحاليّ لا يوفّر آليّات زجريّة ولا وقائيّة كافية لمكافحة العنف بكلّ أشكاله الرّمزيّة والمعنويّة والمادّيّة والسّياسيّة كما هو معرّف في القانون الجزائي وفي قانون 2017 للقضاء على العنف ضدّ المرأة.

• قاطعت العديد من الكتل البرلمانية أشغال البرلمان إلى حين الاستجابة إلى مطالبهم فما هو موقف حركة النهضة من ذلك ؟
أرجّح أنّ القرار يتقاطع فيه ما هو متعلّق بتسيير المجلس وحوكمته - ويجدر الاستماع إليه وتفهّم ما هو موضوعيّ ووجيه منه - مع اعتبارات سياسيّة بديهيّة ليس لي رغبة في تقييمها أو الحكم عليها ، وحدها لتّحاور مع هذه الكتل كفيل بضمان تواصل عمل المجلس بشكل يضمن النّجاعة والتّسيير الدّيمقراطي الذي يكون فيه التّصويت وسيلة للحسم والتّرجيح لا للمغالبة الإلغائيّة الغاشمة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115