الوبائية في البلاد، اذ وقع التراجع عن تمديد ساعات حظر الجولان والعودة الى التوقيت القديم.
وقال ان حكومته -استجابة لطلب رئيس الجمهورية- قررت ان ينطلق توقيت حظر الجولان من الساعة العاشرة ليلا بدلا عن الساعة السابعة ويستمر الى الساعة الخامسة صباحا. هذا بالإضافة الى الاعلان عن التراجع عن قرار غلق الاسواق الاسبوعية.
قرارات جديدة سوقتها الحكومة ورئيسها على انها استجابة للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب بالاضافة الى طلب رئاسة الجمهورية ويعتبر هذا جزءا فقط من الحقيقة اما بقية الحقيقة -على فرض ادراك الحكومة له وتجنب الافصاح عنه- هو وضع مشروعية الحكومة على المحك.
فخلال الايام الممتدة بين الاعلان عن الاجراءات الحكومية الجديدة لمجابهة انتشار العدوى بكوفيد-19 وتعديل بعض هذه الاجراءات والتراجع عن بعضها برز في المشهد «تمرد/ عصيان» معلن وصريح على الدولة/ الحكومة.
هذا التمرد لم يكن مقتصرا على جزء من الشارع وخاصة المتضررين المباشرين من الاجراءات الحكومية: اصحاب المهن الحرة وعملة المطاعم والمقاهي والباعة في الاسواق الاسبوعية. فهؤلاء اعلنوا عبر ممثليهم انهم لن يلتزموا بالقرارات إلا اذا رافقتها اجراءات اجتماعية ودعم مباشر لهم للتقليص من التداعيات المالية والاقتصادية عليهم.
«الخطير» في التمرد الذي انطلق في بدايته باحتجاج ورفض والتلويح بالضغط عبر الشارع وصولا الى إعلان العصيان. ان أجهزة من السلطة ذاتها التحقت به وأعلنت عن عدم التزامها بقرارات الحكومة. فعدة مجالس بلدية ورؤساء بلديات اعلنوا انهم غير ملتزمين بقرار الحكومة المانعة لانتصاب الاسواق الاسبوعية سواء في ولاية مدنين أو سيدي بوزيد او غيرهما من الولايات التي اختار القائمون فيها على شؤون ادارة الحكم المحلي التمرد على قرارات الحكومة المركزية وإعلان عدم التزامهم بها.
الهاجس هنا ليس الرفض التام والمطلق للقرارات الحكومية او تلويح المتضررين بالاحتجاج او العصيان وعدم الالتزام بما يرون انه يمس من قوتهم ومعاشهم ويلقى بهم الى الفقر والحاجة. بل في كيفية ادارة اجهزة الحكم للأمر وعدم استشرافها للوضع الذي باتت عليه الدولة لا الحكومة فقط.
فقد تعاملت حكومة المشيشي مع الامر على اعتبار انه تفصيل يندرج في مسار تسجيل النقاط في ظل صراع سياسي هي احد اطرافه وغاب عنها، او يبدو انه كذلك، ان الاحداث الاخيرة ليست الا نتاجا لمسار باكمله فقد فيه جزء من التونسيين «ثقتهم « في الحكومة والدولة.
اذ ان موجة الرفض التي قابلت القرارات الحكومية لا تكشف فقط عن صعوبة الوضع الاجتماعي ولاقتصادي لفئات عدة من التونسيين بقدر ما تكشف عن ان الحكومة فقدت امتدداها في الشارع وما يترتب عن هذا من فقدان للمشروعية التي تمثل حجر اساس في تنزيل السياسات.
فالحكومة برزت -سواء لدى اعلانها عن القرارات الاولى او المعدلة- على انها متخبطة غير قادرة على رسم سياسات واضحة متكاملة، بل هي ترتجل وتتجنب «اغضاب» الجميع وهذا مس من صورتها ومن قدرتها على تسويق خيارتها وقراراتها.
فشل تتحمل الحكومة وحدها المسؤولية عنه كما المسؤولية عما قد يحدث في قادم الايام اذ انها وان نجحت في تجنب موجة غضب شعبية على خلفية قراراتها الا انها عجزت عن معالجة اصل الداء وهو اهتراء صورتها وفقدانها للامتداد الشعبي.