وما سبق هذا القرار من مناوشات بين قوات الامن ومحتجين خلال الساعات الـ 24 الفارطة. خمسة ايام كانت كافية لتعدل الحكومة خياراتها في معالجة الحراك الاجتماعي الذي لم تستطع ان تجد له حلا دون تبعات.
في كلمته الافتتاحية لمناقشة مشروع قانون مالية 2021 قال هشام المشيشي ان حكومته لم تطرح على نفسها يوما ان تتعامل مع الحراك الاجتماعي بمقاربة امنية اذ ان هذا لا يليق بتونس الديمقراطية وفق قوله الذي اضاف اليه « أن زمن التعاطي الامني الصرف ولّى وانتهى، والديمقراطية تقتضي وجوبا تشريك الجميع ». في اشارة الى ان حكومته لن تتعامل بمقاربة امنية مع الاحتجاجات المندلعة في الجهات والتي تطالب بالتنمية والتشغيل اساسا.
لكن بين ما قاله المشيشي في مجلس النواب وما اعلن عنه امس اثر لقاء جمعه بوزيري الداخلية والدفاع، تغيرت المقاربة ليأمر رئيس الحكومة » بضرورة التحرّك الفوري لبسط سلطة القانون والتدخّل بالتنسيق مع النيابة العمومية لفتح الطرقات وإعادة تشغيل مواقع الإنتاج والتي أدّى غلقها إلى صعوبات في التزوّد بالمواد الأساسية لدى عموم التونسيين والإضرار بمصالحهم الحيوية وأمنهم العام وأمن البلاد القومي » وفق نص البلاغ الصادر اثر اللقاء.
خيار اللجوء الى المقاربة الامنية والتتبع القضائي للمجتجين في الجهات يبدو انه الورقة الاخيرة بيد المشيشي لاستعادة زمام المبادرة في البلاد وتجنب انزلاقها الى مربعات غير محمودة، وفق ظنه، ولكن الرجل الذي يشير في البلاغ الصادر عن رئاسة حكومته الى انه امر بان يقع التنسيق مع النيابة العمومية لتتبع من يتعمد غلق الطرقات او مواقع الانتاج مما سيؤجج الاوضاع اكثر إذا ذهب في خياره الى الاخير.
فما يدركه رئيس الحكومة أن وضع اي خيار سيلجأ اليه سيكون له ثمن، وخاصة إذا اختار أن يستند الى القوة والامن لمجابهة تنامي الاحتجاجات التي باتت تعتمد اسلوب احتلال مواقع الانتاج وتعطيلها لاجبار الحكومة على التفاوض، ففي التاريخ القريب فشل تدخل الامن لفض اعتصام الكامور قبل اشهر، وقد انقلبت ولاية تطاوين الى ساحة للمناوشات بين الامن والمحتجين.
مناوشات قد تتكرر في جهات عدة، خاصة وان مناطق الانتاج والطرقات المغلقة التي يشير اليها رئيس الحكومة في جهات يرتفع فيها منسوب الاحتقان ويحظى المحتجون فيها بمشروعية لدى الاهالي الذين يورفرون حاضنة وغطاء من المرجح ان ينخرط بدروه في المواجهات إذا وقع اللجوء اليها.
كما ان المشيشي يدرك ان الخيار الامني والملاحقة القضائية سيرتدان عليه سلبيا وعلى حكومته التي سينظر اليها في هذه الجهات التي قد تشهد حملات امنية ومتابعات قضائية على أنها إجابة على مطالبهم بالتنمية والتشغيل بالامن والسجون، وهو ما سيعقد الاوضاع هناك اكثر ويفاقم الازمة خاصة وان البلاد على مشارف احياء الذكرى العاشرة للثورة.
ولا تقف تداعيات هذا الخيار عند هاتين النقطتين اللتين بدورهما كافيتان لتبينا ان الخيار الامني وان لمجرد الترهيب سيكون كمن يسكب البنزين على النار، فان التداعيات المحتملة الاخرى تمرد اجهزة على القرار، كما وقع التلويح به في من قبل نقابة قوات الامن بولاية تطاوين في اكتوبر الفارط حينما اعلنت انها لن تستجيب لاوامر التدخل الامني لفض الاعتصام.
وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد إذ ان توتر العلاقة بين السلطة القضائية والحكومة قد ينعكس بدوره على الوضع لرفض القضاة الاستجابة لهذا الخيار الذي ان انتهج وتمردت عليه الاجهزة المكلفة بتنفيذه سيكون المشيشي كم يعلن على رؤوس الملإ عجزه عن تسير اجهزة من المفروض انه يديرها وهذا يكفي ليستقيل الرجل من منصبه.
خيار الحل الامني والتتبع ليس هو الخيار الامثل في اللحظة الراهنة ولا خيار الصمت وانتظار ان يحمل المستقبل انباء سارة للحكومة، فما يحدث في الجهات من تحركات احتجاجية شكل جديد لرفع المطالب والضغط لتحقيقها، واي معالجة لا تدرك الشرخ الحاصل بين الجهات والدولة ولا تستبق الاتفجار ستعمق الازمة لا اكثر.