تتجه حكومة الياس الفخفاخ قريبا الى مجلس نواب الشعب لعرض خطة اطلقت عليها اسم «خطة الانقاذ وكسب الثقة» والتي تراهن عليها لانعاش الاقتصاد وإطلاق عملية تهيئة الارضية لطرح مخططها الخماسي 2021 /2026 على ذات المجلس في نهاية السنة، خطة تقدم الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالمشاريع الوطنية الكبرى لبني الجريبي ملامحها وأبرز نقاطها التي وضعت لمعاجلة وضعية حرجة وفق قولها تتعلق بالتوازنات في المالية العمومية وتسجيل نسبة نمو سلبية إضافة إلى تراجع المداخيل الجبائية للدولة وارتفاع عجز الميزانية. مؤشرات ومعطيات قالت أنها في طور المراجعة والتدقيق وسيعلن عنها رئيس الحكومة.
• ما الذي ترتكزون عليه لإقرار ان التوجه الى مرحلة التعايش مع الكورونا وإقرار جملة من الاجراءات المتعلقة بـ»الفتح»؟
اولا مرحة التعايش مع الفيروس هي المبدأ الاساسي في خطة الحجر الصحي الموجه، وهذا ما اشرنا اليه في كل الندوات الصحفية المتعلقة بإجراءات الحجر وانا شخصيا اشرت اليه باعتبار اني كلفت بمقتضى توصية من مجلس وزاري بالإشراف على تنسيق و متابعة اعداد استراتيجية الحجر الصحي الموجه التي تقوم على التقييم والتعديل لتحقيق هدفين اساسيين حماية صحة التونسيين والحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة.
التعايش والذهاب الى فتح القطاعات تدريجيا هو المبدأ اللي انطلقنا منو ، فطالما ليس هناك لقاح ضد الفيروس ليس هناك امامنا غير التعايش معه.
لكن التعايش وفق قاعدة التحكم فيه وفي انتشاره، وهذا ما شهده التونسيين اذ نجحنا في كل المراحل السابقة في التحكم في هذا الوباء ، وهذا بفضل عدة عوامل وانخراط كل المجموعة الوطنية في انجاح الخطة التي قامت على الاستباقية والجرأة التي تم التعبير عنها في العديد من القرارات التي ادت الى تحقيق هذا النجاح.
الثقة التي بنيت بين الجميع كانت محددا في نجاح المقاربة ، بين الدولة والمواطن بين الادارة والسلطة السياسية. اضافة الى الدور البارز للجنة العلمية وتأقلم التونسيين والذكاء الجماعي لهم الذي عبروا عنه في الابتكارات والتجديد.
كل هذه العناصر جعلتنا في الريادة ونجحنا في الرهان الاول وهو صحة التونسيين ولكن امامنا اليوم معركة للفوز برهان ثان هو اقتصادي واجتماعي.
• هل يمكنك القول انكم لم تتخذوا اي قرار الا بعد الاستعداد لكل فرضياته وان قرار الفتح مدروس ومستعدون له؟
وفق خطتنا نحن تدرجنا سواء في الغلق والذهاب الى الحجر الصحي الشامل او في الخروج من الحجر الذي تم وفق مراحل انتهت بالحجر الصحي الموجه الذي بدوره قسم الى ثلاث مراحل انتهت كلها في 14 جوان الجاري وبنهايتها ندخل مرحلة التعايش مع التحكم في الفيروس وفق مقاربة هدفها الاول تحقيق التوازن بين رهانين صحة التونسيين والحد من تداعيات الفيروس في الجانب الاقتصادي والاجتماعي.وطوال الخطة كان التحكيم يتم في مستوى رئاسة الحكومة لتحقيق هذا التوازن.
والحقيقة نجاح الخطة ساهم فيه الالتزام و«الوعي بخطورة المرحلة اللي شفناه في التوانسة اللي كانوا راغبين في العودة للنشاط و الالتزام بالتدابير الصحية. والادارة تجندت لإعداد الادلة وكان هناك تنسيق وانسجام أدى إلى حسن ادارة مختلف مراحل الحجر الصحي الموجه».
• تشيرون الى الرهان الاقتصادي والاجتماعي فهل وضعتم خطة للإنقاذ لتجاوز تداعيات الكورونا؟
منذ بداية تفاقم الأزمة الصحية في أواخر شهر مارس وعملا بمبدإ الاستباق تم الشروع في دراسة آثار الحجر الصحي الشامل على الاقتصاد و تم تقسيم العمل في الحكومة بين الادارة الحينية و التخطيط ووضع السيناريوهات لما بعد الأزمة وفعلا كونا فريق عمل من الخبراء و المختصين للتفكير ووضع خطة انقاذ.
في 3جوان كانت شارة الانطلاق لأعمال اللجان الفنية بالمدرسة الوطنية للإدارة من قبل السيد رئيس الحكومة و تواصل العمل الى حدود يوم أمس بجلسة حوار مع نواب الائتلاف الحاكم.
المقاربة اللي تم اعتمادها تقوم على التشاركية الحقيقية بين خبرات الادارة ( 190 مسؤول اداري ) و خبراء المنظمات الوطنية والمجتمع المدني. (200 مشارك) و 34 خبير
العمل كان يقوم على تفاعل بين الوزراء في حصة صباحية ثم عمل في إطار لجان فنية دون وصاية في اطار تشاركية فعلية ثم يتم عرض مخرجات العمل وفق قاعدة الأثر الحيني والمباشر على المواطن والمؤسسة وفي أجل قصير لا يتجاوز 9 أشهر.
خطة للإنقاذ وكسب الثقة، لتجاوز التداعيات الاقتصادية والاجتماعية تقوم على ركيزتين الحد من الضرر الذي خلفته ازمة الكورونا والثانية هي الاستفادة من الفرص التي وفرتها الكورونا لعدة قطاعات وللإدارة التونسية.
نحن انطلقنا بمقاربة مفادها ان فترة الانقاذ هي فترة انتقالية بين فترة ادارة الازمة وبين فترة البناء التي تنطلق في 2021 موعد تقديم المخطط الخماسي الذي يتضمن مشروع اصلاح هيكلي نحن في حاجة اليه. اي ان مرحلة الانقاذ هي مرحلة مفصلية تخول لنا انقاذ النسيج الاقتصادي وتفعيل الدرع الاجتماعي وتهيئة الارضية للمشاريع الكبرى والإصلاحات.
• وهذه الخطة لإنقاذ ماذا، اي وضع نحن فيه الان؟
نحن نعيش في وضعية صعبة وحرجة، تعبر عنها ازمة حادة على مستوى المالية العمومية وهذا سابق للكورونا التي فاقمت من الازمة والصعوبات والعجز الهيكلي، هذا بالإضافة الى تفاقم المديونية الخارجية بنسب عالية تهدد السيادة الوطنية و التي تمثل 60% وعلينا العمل على الحد من هذه المديونية.
دون ان نغفل عن ضعف نسبة الاستثمار التي انخفضت من 25 % الى 18.5 % و تراجعت اكثر نتيجة الجائحة وهذا بدوره سينعكس على نسبة النمو وهو ما ادى نقص في موارد الدولة الجبائية.
كل هذا يجعلنا في وضع صعب جدا ويفرض علينا البحث عن حلول، وأول ما يجب ان نعالجه التراجع في موارد الدولة اي ان نعول على انفسنا ومواردنا الذاتية دون اللجوء الى فرض ضرائب جديدة حتى نمكن المؤسسات الاقتصادية من مجابهة الأزمة و المحافظة على مواطن الشغل .
كيف سيعالج العجز؟
الحل سيكون بإدماج القطاع غير المنظم في الدورة الاقتصادية، رفع العراقيل بالنسبة للاستثمار و استهلاك الاعتمادات بالنسبة للمشاريع المبرمجة التي نعتبرها ضرورية لإطلاق خطة الانقاذ ودفع الاستثمار في القطاعين العام والخاص
• لكن هل أنّ هذا كاف لتوفير موارد مالية هامة للدولة خاصة وأنكم تطرحون خطة انقاذ؟
خطة الانقاذ تقوم أساسا على توفير كل الظروف لدفع الاستثمار الخاص الوطني و الأجنبي كأحد اهم محركات التنمية وكذلك دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال عقود الاستثمار في شكل لزمات اضافة الى التسريع في انجاز المشاريع العمومية المعطلة سواء المشاريع التي وعد بها ولم تنجز او المشاريع التي انطلق انجازها ولكن تعثرت لأسباب عدة منها الاداري او اشكاليات عقارية الخ... و التي ستكون في حدود 3 مليار دينار.
هذا بالإضافة الى دفعة أولى من المشاريع ضمن اطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتهم البنية التحتية واللوجيستيك ضمن محفظة قيمتها 3 مليار دينار ايضا.
• جيد لكن هل تعتبرون ان تخصيص 6 مليار دينار كاف في ظل عراقيل عدة حالت دون نجاح مثل هذ المبادرات في السابق؟
نحن سنواصل العمل بذات الروح التي برزت في ازمة الكورونا وساعدت على تحقيق النجاح في التحكم في انتشار الفيروس، اي ان نواصل البناء على الديناميكية التي تكونت في فترة مجابهة الكورونا واعتماد نفس الاليات لإدارة المسألة الاقتصادية والبناء عليها للخروج من الوضع الصعب عبر التركيز على امكانياتنا ومواردنا التي يجب ان نحسن استغلالها.
لذلك سنقوم بتحويل لجان مجابهة الكورونا التي شكلت من مختلف الوزارات وشارك فيها احيانا ممثلون عن المجتمع المدني الى لجان جهوية للتنمية ودفع المشاريع كما سيقع احداث قاعة عمليات على مستوى رئاسة الحكومة تكلف بالسهر على دفع المشاريع الاستثمارية المعطلة، وسيتم ايضا تكليف كل وزير بمتابعة جهة معينة إضافة الى ايجاد الية تنسيق على المستوى الجهوي بين الإدارات اللامحورية والجماعات المحلية.
• يتضح من كلامك ان خطة الانقاذ تقوم على الإدارة فهل هناك خطة لتعصيرها والحد من البيروقراطية ؟
قبل كل شي اود ان اشير الى ان اجتماعات اللجان الفنية التي ناقشت ودرست خطة الانقاذ كانت في المدرسة الوطنية للإدارة لرمزيتها ، وهذا لم يكن مصادفة وإنما لتوجيه رسالة مفادها اننا نعمل من اجل بناء الثقة مع الادارة التونسية وكفاءاتها ضمن تصور شامل يتضمن الادارة والمستثمر والمواطن و يقوم على بناء الثقة ورفع القيود مع تطبيق القانون والحد من الافلات من العقاب.
ولعل تزامن عرض مشروع تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية على مجلس الوزراء و المصادقة عليه مع مناقشته و المطالبة به ضمن اللجان الفنية التي اجتمعت في المدرسة الوطنية للإدارة يؤكد حرصنا على بناء هذه الثقة وتعزيز روح المسؤولية لدى الادارة التي قدمت مقترحات ...ونحن نعمل اليوم على مراجعة جملة من الاجراءات الادارية المبنية على عدم
الثقة سواء في علاقة بالادارة او المواطن. وقد تكون رسالتا القادمة هي التخفيف من اجراء التعريف بالإمضاء لعدد من الملفات او الوثائق.
• الثقة جيدة لكنها في ظل تشعبات وبيروقراطية قد توءد ؟
اليوم نتجه الى الرقمنة في الادارة ضمن حزمة مشاريع حرصنا فيها على ان نبرز ان الدولة قادرة على الانجاز والنجاح حينما تتوفر الارادة والتعاون بين الجميع، وقد اتخذنا عدة خطوات تتضمن انشاء اطار قانوني للدفع عبر الهاتف المحمول وإنشاء محفظة الكترونية تسمح بالدفع عن طريق الهاتف سواء للفواتير او السلع والخدمات وايضا توزيع المساعدات الاجتماعية.
هذا بالإضافة الى اصدار مرسوم المعرف الوحيد للمواطن ومرسوم المستندات الالكترونية التي ستمنح ذات القيمة القانونية للمستندات الورقية وهي ستساعد على تعزيز تبادل البيانات بين الادارات وبين الادارة والمواطن وغيرها من الاجراءات التي تساهم في رقمنة الادارة ضمن حزمة من لإصلاحات العميقة والتي تأخر تنفيذها رغم وجودها في رفوف الادارة منذ سنوات.
• الرقمنة هل ستكون عنصرا فاعلا في خطة الانقاذ؟
اجل وهذا هدفنا خاصة وان الادارة التونسية طالبت بهذا في اشغال اللجان الفنية
• نعود لخطة الانقاذ هل حددتم اولوياتها؟
خطة الانقاذ وأولويتها تتكامل مع الاولويات المحددة في الوثيقة التعاقدية، ومع ازمة الكورونا اضفنا اربعة اولويات تتمثل في دعم السيادة الوطنية عبر توفير المخزون الاستراتيجي للدولة سواء في المجال الغذائي او في قطاع الأدوية وكذلك تحقيق الامن الطاقي و التحكم في التكنولوجيا اذ علينا ان نستعد لكل الفرضيات ومنها الاوبئة.
الاولوية الثانية التي حتمتها ازمة الكورونا رفع البيروقراطية ورقمنة الادارة والإجراءات الادارية اما الاولوية الثالثة فهي تقوم على القطاعات، اذ لدينا قطاعات تضررت جدا من الأزمة سواء الخدماتية كالسياحة او الصناعة كالصناعات الميكانيكية وصناعة مكونات الطيران او النسيج، وهذه القطاعات سنعمل على انقاذها وان نستغل الفرص المتوفرة لها في ظل التغييرات الدولية التي نتعامل معها باستباقية وبحث عن ان نكون في المشهد وان ننافس في الفوز بأسواق جديدة . لكن لدينا قطاعات البناء الذي وان تضرر في الازمة الا انه قطاع واعد سيكون اساسي في عملية الانعاش، كما ان الفلاحة والصناعات الغذائية من القطاعات الواعدة علينا ان نحسن ادارتها لنوفر لها اسواق خاصة في دول الجوار.
وأولويتنا الرابعة هي تعزيز الدرع الاجتماعي فالكورونا كشفت لنا عن هشاشة الوضع الاجتماعي في تونس، ونحن في طور تنزيل اجراءات وقرارات تهدف الى العناية بالفئات الهشة وفق مقاربة تقوم على التمكين الاقتصادي و الاجتماعي وليس تقديم المساعدة .
وقد تزامن اعداد خطة الإنقاذ مع المصادقة على قانون الاقتصاد الاجتماعي و التضامني وسنعمل على توفير كل الاليات لضمان نجاحه و تطبيقه.
كما اننا انطلقنا فعلا في هذا المسار عبر جملة من الاجراءات منها مرسوم المبادر الذاتي الذي صدر والامر الحكومي المتعلق باللزمات والذي لم ننطلق في خطته الاتصالية بعد.
امر اللزمات يندرج في مقاربة الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص وهو يهدف الى تثمين وحسن استغلال اصول الدولة وممتلكاتها بإشراك المواطنين في عملية الاستغلال هذه الاصول عبر مشاريع حتى وان كانت صغرى بهدف تشجيع الشباب على المبادرة التي سيبرز اثرها في بضعة اشهر سواء على الافراد او الجهة.
اليوم هناك 274 لزمة في تونس توفر في مداخيل للدولة، ونحن نعمل على تبسيط القانون والإجراءات خاصة للزمات الصغيرة ومنها عدم اشتراط ضمان بنكي للباعثين اقل من 35 سنة مع تبسيط الاجراءات ورفع القيود لتشجيع الشباب على الاستفادة من هذه الالية التي نطمح الى ان يقع استغلالها خاصة بعد الحملة الاتصالية التي سنطلقها في اطار «كرافان جهوي» للتعريف بالالية وبأقسامها، فهي تتضمن لزمات صغيرة واخرى متوسطة وكبيرة توفر مواطن شغل وتساعد على تحسين جودة الحياة في الجهات.
• خطة الانقاذ اشرت الى انها مرحلة انتقالية بين ادارة الازمة والبناء، وهذا يعنى انكم مستعدون للذهاب الى الاقصى في هذه الخطة ام ان هناك هامش للتحرك مع الشركاء؟
تنزيل عناصر من الخطة انطلقنا فيه، فخطة الانقاذ هي خطة بين الصمود والبناء، فان انطلقنا في الصمود في ازمة الكورونا، صمود اجتماعي واقتصادي، والانقاذ هو مواصلة الصمود ومواصلة الاصلاحات التي انطلقنا فيها عبر مراسيم.
أما عن مضمون السؤال فان عوامل النجاح هي ذاتها التي كانت في ازمة الكورونا، العمل المشترك والوحدة الوطنية والثقة المتبادلة والذكاء الجماعي ومناخ متهيئ لمجابهة خطر.
هذه العوامل يجب ان تتوفر لنجاح خطة الانقاذ والبناء .
• الخطر زال بزوال الكورونا واليوم شركاؤكم السياسيون او الاجتماعيون لا يبدو انهم قد يسايرونكم؟
المبدأ هو تغيير المقاربة وهذا يشمل العلاقة مع الاطراف السياسية والإدارة والشركاء الاجتماعيين ونحن سنحرص على استمرارية المناخات التي توفرت لتجاوز ازمة الكورونا. نحن اليوم في اطار مقاربة تشاركية تنطلق منذ البداية وتشمل الجميع، نحن نضع كل الملفات فوق الطاولة بشفافية لنبني الثقة التي ستكون اساسية لعملية الانقاذ. بالاضافة الى الجرأة في التعامل مع الملفات فالحلول الترقيعية لم يعد لها مجال.
• وماذا عن الضغوطات التي تمارسها بعض اللوبيات؟
في الحقيقة هناك دولة و هناك استمرارية ولكن مقاربتنا مع المطلبية هي المصارحة بحقيقة امكانيات الدولة و العمل في شراكة حقيقية مع الشركاء الاجتماعيين .الإنقاذ لا يكون إلا بالوحدة والحوار.
الحكومة اتت بروح اصلاحية واضحة والوثيقة التعاقدية بلورت الاصلاحات والمشاريع الوطنية الكبرى الثمانية وبعث الوزارة التي اشرف عليها ابرز دليل على التزامنا بهذه الروح..