في الذكرى الـ39 : هل بات الغنوشي حملا ثقيلا على النهضة ؟

تحتفي حركة النهضة اليوم بمرور 39 سنة على تغيير اسمها من الاتجاه الاسلامي -الاسم الذي حملته منذ 1969 - الى اسمها الحالي.

لكن في هذه المرة تزامن الاحتفاء مع واقع سياسي تمر به الحركة يمكن اختزاله في لفظ «أزمة» تهدد كيانها ، لا من خارجها فقط بل من الداخل اذ أنه لأول مرة طوال سنواتها التي تجاوزت الـ50 بات «شيخها» مصدر الخطر عليها.
في الـ 6 من جوان 1981 اعلن قادة الاتجاه الاسلامي آنذاك عن ميلاد حركة النهضة كحركة سياسية ذات مرجعيات اسلامية، اي حركة تمثل الاسلام السياسي وتعمل وفق القانون المدني التونسي ووفق ما تضبطه التشريعات الخاصة بالاحزاب في تلك الفترة.
خطوة اراد بها قادة الاتجاه الاسلامي تخفيف الضغط المسلط عليهم واستغلال السياقات التاريخية وتلميح السلطة بالانفتاح السياسي والحزبي. خطوة لحقتها خطوات عدة باتت النهضة بمقتضاها على ما هي عليه اليوم، حركة شريكة في الحكم منذ 2011 وممثلة بالبرلمان في ثلاث عهدات باحتساب عهدة التاسيسي ، وحزب بعتبر ابرز الاحزاب السياسية المستقرة والوازنة في المشهد التونسي.

تطورات السنوات الـ39 شملت ما حققته النهضة من انتقال من حركة اسلامية تسعى الى إقامة «المجتمع الاسلامي» وتركيز الدولة المسلمة التي تحتكم الى الشريعة الى حركة سياسية تقول بان الاسلام مرجعيتها وأنها تؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية والفصل بين الدعوي والسياسي ضمن مفهوم «الاسلام الديمقراطي». وغيرها من النقاط التي لا مجال لذكرها هنا.
في هذه السنة اختلفت الوقائع المحيطة بإحياء ذكرى الاعلان عن النهضة ، فالحركة وقبل ايام قليلة عاشت على وقع «جلسة عامة» بوبتها في خانة «الاستهداف» لوجودها عبر استهداف رئيسها ومؤسسها راشد الغنوشي، بصفته رئيسا لمجلس النواب ورئيسا للحركة استهداف تقول النهضة بشكل مباشر ومبطن انه يندرج ضمن حملة اقليمية تورطت فيها بعض الاطراف والأحزاب التونسية خاصة تلك التي تصنف الحركة على انها «حركة اخوانية» وتطالب بعزلها في المشهد السياسي والبرلماني التونسي وعدم التحالف او التقارب معها تمهيدا لمحاكمتها بتهم عدة....

احزاب تحاصر النهضة منذ سنوات ولكنها ومنذ انتخابات اكتوبر 2019 ركزت استهدافها على شخص رئيسها راشد الغنوشي خاصة بعد انتخابه رئيسا لمجلس نواب الشعب وما تبع ذلك من خياراته وتحركاته ومواقفه السياسية الداخلية والخارجية دون اغفال التعيينات في ديوانه ومسعاه الى تركيز نظام مجلسي في تونس.
بعيدا عن خطاب حركة النهضة عن أنصار الرجل المدافعين عنه وما يروج له من صورة «الزعيم» والاستهداف المجاني له ولكن بالأساس بعيدا عن الخطاب الإقصائي وألاستئصالي الذي يروج لتونس دون نهضة ، يجب اخذ مسافة من الاحداث والنظر الى المشهد بتفاصيله وصورته العامة لكشف حقيقة ليس من صالح النهضة اغفالها ، والحقيقة هي: ان رئيسها راشد الغنوشي بات عبئا عليها.

عبء كشف خلال هذه الاشهر الـ6 الاخيرة، اي منذ اختياره ان ينتقل من المجال الحزبي والتاثير غير المباشر على مجريات السياسية في تونس الى ان يكون جزءا من مشهد الحكم واحد رجالات الصف الاول فيه، فالنهضة وكتلتها في البرلمان طوال السنوات الـ8 السابقة ، لم تشهد مثل هذا الضغط او الرفض مثلما شهدته مع قدوم الغنوشي .
رفض مقترن بفقدان جزء هام من الشارع التونسي للثقة في الغنوشي، حتي من قبل انصار النهضة ومن ناخبيها، فالغنوشي بات الحلقة الاضعف للنهضة في البرلمان وهو الهدف الرئيسي لكل خصومها اي انها لاعتبارات خاطئة وتقييم قلل من التأثير السلبي المحتمل لخروج الغنوشي من جبة الرجل الحزبي الى جبة رجل الدولة، مكنت خصومها من هدف رماية ميزته انه ينقل الصدمة الى داخل الحركة نفسها.

حركة وجدت نفسها اليوم تدفع في جل الصراعات ثمنا باهظا لخيارات خاصة برئيسها و«لدين قديم» خاص به، انضاف اليه خياره بإحاطة نفسه بافراد من العائلة في الحزب وفي المجلس، شخصيات ميزتها انها تولد رد فعل سلبي تجاه الشيخ والحركة في ذات الوقت.

ولئن كانت السياسية لا تقوم على الفرضيات المستبعدة، الا ان الوضع يسمح بوضع فرضية مفادها ان رئاسة اي شخصية نهضاوية لمجلس النواب لم يكن ليقابل بهذا الرفض المطلق كما حصل مع الغنوشي، فقد سبق وان ترأس عبد الفتاح مورو وهو نائب رئيس النهضة البرلمان وفي فترة تزامنت مع الحملة الانتخابية ولم تشهد النهضة مثل هذا الضغط او المحاصرة.
ومحاولة حصر الرفض المطلق للغنوشي في جانب واحد لا تستقيم إذ أن للرفض عدة اسباب لا تقف عند مواقف الرجل او تجربته او تصريحاته بل بما يمثله في المخيال الجمعي للتونسيين سواء الفاعلين في المشهد السياسي او المواطن المتابع للاحداث، اذ انه ارتبط بصورة سلبية -لسنا نناقش صحتها من عدمها- بل ما تدل عليه وما تثيره من ردود فعل لم تتغير رغم محاولة الرجل عبر شركات دعاية وعلاقات عامة تغييرها ومن ذلك ارتداؤه للبدلة ووضعه لربطة العنق.

الغنوشي وهو اخر المؤسسين الباقيين في الحركة بات اليوم بمثابة الثقل الذي يهوى فيجر معه حركة ارتبطت به وعجزت عن فك هذا الارتباط خلال سنواتها العشر السابقة وهي اليوم عاجزة عن قطع الحبل السري معه بسبب «الحملة» ضده ومخافة ان ينفرط عقد الحركة بعد أن سعى البعض صلبها الى طرح المسألة من منظور ان الشيخ عليه الرحيل.
طلب صدر عن بعض قادة الحركة باسم نقل الصلاحيات والتفرغ لرئاسة المجلس ولكنه وئد ودفع بعضهم اما للانسحاب او الاستقالة من الحركة، واليوم بات الأمر يناقش بخجل صلب النهضة التي ادرك قادتها انهم اليوم مطالبون بحسم مسألة خلافة الشيخ وفق تصور مغاير لما يحمله الغنوشي او المقربون منه.

فالغنوشي وحمله الثقيل لا يقتصر على تداعيات خياراته في البرلمان بل على خياراته المتعلقة بمصير الحركة وانتقال الرئاسة فيها، اذ ان الرجل الذي احيط بالعائلة في كل موقع شغله بات يهدد تماسك حركته التي تعالت فيها الاصوات الرافضة لتنامي دور العائلة في الحركة و لسيناريو «بوتين/مدفيدف» المطروح ليخلف الغنوشي نفسه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115