شملت المدة والمجالات التي ستفوض فيها الحكومة لاصدار مراسيم - خيار كشف عن رغبة المجلس في لعب ادوار متقدمة وكسب الصراع بينه وبين رأسي السلطة التنفيذية.
مساء الثلاثاء الفارط صادقت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية على النسخة النهائية لمشروع قانون التفويض للحكومة في إصدار مراسيم، نسخة شهدت الكثير من التعديلات على مشروع الاصلي المتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد - 19).
تعديلات شملة المدة والمجالات، اذ بمقتضى المشروع الجديد يفوّض إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم لمدّة شهر ابتداء من تاريخ دخوله حيّز النفاذ، لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) وتأمين السير العادي للمرافق الحيوية.
يقتصر التفويض على اربعة ميادين لإصدار المراسيم، وهي الميدان المالي والجبائي ويشمل التدابير الهادفة الى الإحاطة والدعم والمساعدة المباشرة وغير المباشرة للأفراد والمؤسسات المتضررين و تعبئة الموارد لفائدة ميزانية الدولة والمستوجبة لتغطية التكاليف المترتبة عن مواجهة تداعيات فيروس كورونا، اما ثانيا فهي تتعلق بميدان الحقوق والحريات وضبط الجنايات والجنح والعقوبات والإجراءات أمام المحاكم ، المجال الثالث الميدان الصحي والبيئي والتعليمي والثقافي واخيرا تسيير المرافق العمومية والضمانات الأساسية للموظفين.
هذا على ان تعرض المراسيم التي سيتمّ إصدارها وفق هذا القانون في أجل خمسة أيام من انقضاء المدة المحددة على مصادقة مجلس نوّاب الشّعب، ستُعتبر لاغية المراسيم التي لا يتم احالتها في الأجل المذكور.
تعديلات تحدث عنها رئيس مجلس النواب لدى لقاءه بالأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، ووصفها بأنها من عناصر معاضدة مجهود الدولة في مثل هذا الظرف الحسّاس الذي يحتاج الى ووحدة فوق كلّ الخلافات والتجاذبات .
تعديلات المشروع التي ادخلتها اللجنة ، وصادق عليا كل الكتل باستثناء كتلة ائتلاف الكرامة التي احتفضت وكتلة الدستوري الحر التي اعترضت ، ستحال لاحقا على الجلسة العامة للمصادقة عليها في ظل ادراك النواب بانها ستحد من قدرت الحكومة على التحرك السريع لمجابهة الوضع الراهن وما يتطلبه من اجراءات سريعة.
خيار المجلس ان يحدّد المدة ومجالات اصدار المراسيم، ليس الا استمرار لمعارك خفية ومعلنة بينه وبين السلطة التنفيذية، معركة يرغب المجلس في ان لا تحدد نتائجها على حسابه، فالمجلس لا يخشى من ان تتولى الحكومة افتكاك السلطة بل يخشى ان لا يكون في الصورة وان تنتهى الازمة التي خلفها انتشار الفيروس وقد رسخت في ذهان التونسيين صورة مفادها ان «السلطة بيد الجهاز التنفيذي» وان تتعزز النظرة السلبية للمجلس.
خشية مردها طموح المجلس وابرز كتله، النهضة قلب تونس بالأساس، هي ان ترجح كفة المجلس ان تعلق الامر بمن يمتلك زمام المبادرة والفعل السياسي في تونس خلال السنوات الخمسة الجارية، ترجيح يراد من خلاله تقليص نفوذ الرئاسة ولاحقا الحكومة لصالح تمدد نفوذ المجلس الباحث عن تتجاوز ما يقره الدستور ولعب دور اساسي ورئيسي في الحياة اليومية للتونسيين.
بحث قاد المجلس اى تعديل مشروع القانون الذي قدمته الحكومة - تعديل اقرته الكتل داعمة لها- بهدف اصابة عصفورين بحجر واحد، عدم اسقاط المبادرة بشكل صريح ولكن عدم السماح بمرورها دون اعادة رسم لما سيكون عليه المشهد لاحقا، وهو يفسر سبب تحديد المدة بشهر والمجالات بشكل دقيق لا يسمح للحكومة بتجاوزه. تعديلات تبقى المجلس في المشهد وصاحب يد عليا، مقابل غل يد الحكومة وجعلها مرتهنة له بعد ان كشف انه لا يثق فيها، بل ان من صوتوا لها لا يثقون بعا.