النتائج الرسمية- قيس سعيد ونبيل القروي، لكنه بالأساس أكد النزعة العقابية للناخبين التونسيين تجاه النخبة الحزبية التقليدية.
منذ الساعات الأولى للإعلان عن غلق مراكز الاقتراع تواتر صدور النتائج الجزئية المتعلقة بالدور الأول من الانتخابات الرئاسية المبكرة، لتؤكد معطى سياسي كشف عنه نسبيا منذ الانتخابات البلدية في 2018، وهو تنامي النزعة العقابية لدى الناخبين التونسيين.
نزعة دفعت جزءا هاما من التونسيين يتجاوز 2 مليون ناخب الي التصويت لمرشحين من خارج الاحزاب التقليدية التي هيمنت على المشهد في السنوات الـ9 الأخيرة، سواء في الحكم او في المعارضة ، واختاروا عوضا عنهم مرشحين يعلنون القطيعة مع النخبة السياسية الحزبية.
في هذا التصويت العقابي برز قيس سعيد وتصدر النتائج بقرابة 19 نقطة أي حوالي 600 الف صوت منحت له، لتثير لدى جزء هام من صانعي القرار السياسي التونسي سؤلا مضمونه « من هم ناخبو قيس سعيد»، ولماذا هو دون سواه الذي نجح في ان يكون القادر علي التعبير عن مشاغل هؤلاء الناخبين.
اسئلة تتردد كثيرا ولا اجابات واضحة عنها، بعيدا عن الوسم او الاختزال الذي يبحث عن فهم بسيط للمشهد السياسي المركب في تونس، اختزل قبل الانتخابات باسابيع في « بروز التيارات اما الزبونية او الشعبوية مقابل انحسار تاثير النخبة السياسية».
هذا التيار الشعبوي الذي يندرج ضمن خانته قيس سعيد، وهنا صفة الشعبوية ليست وسما، فوفق البرنامج الانتخابي لقيس سعيد وخطابه وفريق حملته وانصاره، ما يبشر به سعيد هو القطع مع النخبة التقليدية، عودة السلطة للشعب، ومسألة الهوية. وهذه اسس التيارات الشعبوية.
خطاب استطاع من خلاله قيس سعيد ان يحشد انصار له مكنوه من ان يتصدر نوايا التصويت منذ مارس الفارط، بعد ان ظل طوال 7 سنوات رمزا و«استاذا» لتيار شبابي يبحث عن القطع مع المنظومة السياسية الحالية وتأسيس ديمقراطية اجتماعية مباشرة.
هذا التيار الذي لم ينتظم بشكل مهيكل في اطر حزبية او جمعياتية طوال السنوات الثمانية الفارطة وجد في قيس سعيد وفي مجموعة اخرى من أساتذة القانون او الفلسفة او مفكرين «معلمين» له وزعماء يعبرون عما ينتظرونه. تأسيس منظومة حكم تمنح السلطة للشعب وليس للنخب الحزبية.
تيار شبابي افرز في النهاية مجموعة وقفت خلف قيس سعيد ونجحت في ان تجد له قاعدة جماهرية، لكن ليس هذا فقط ما أوجد القاعدة الجماهيرية لسعيد، فصورته كمثقف طهروي عن السلطة وبعيد عن مكائدها وطرحه السياسي الذي دأب علي عرضه في لقاءاته ساعد في ان يصبح سعيد ظاهرة سياسية نجحت في ان تخترق المشهد العام.
سعيد الذي قاد حملته بشكل مختلف كليا، دون مال او حملة تقليدية او جهاز انتخابي يقوم بالتعبئة له، نجح بخطابه والقطيعة بينه بين النخبة المتحزبة في ان يجد له خزانا انتخابيا في جل الدوائر الـ27، فسعيد ووفق المعطيات الأولية يتقدم نتائج التصويت في تونس الكبرى أي في تونس العاصمة وأريانة وبن عروس ومنوبة، وكذلك في صفاقس وولايات الجنوب الشرقي الثلاثة قابس ومدنين وتطاوين.
خزان اتسم بان جزءا هاما منه من الشباب بين 18 و35 سنة المنتمي للطبقة الوسطي والعليا ممن تحصل على تعليم ثانوي وجامعي، ولكن بالاساس ممن يمكن اعتبارهم شباب الثورة، الباحثين عن قطع كلي مع القديم وتاسيس لتجربة تونسية خاصة، تحت شعار ديمقراطية مباشرة، جمعت بين اقصى اليسار واقصى اليمين في خزان انتخابي واحد.
خزان لا يمكن ان يقع توصيفه ايدولوجيا او وسمه بصفة دون اخرى فهو متنوع يضم في صفوفه السلفي والماركسي والماوي والتروتسكي بل وحتى «الاناركيين» وحدهم هدف مضمونه القطع كليا مع النظام القديم بل والقطع مع الديمقراطية الليبرالية/ التمثيلية وايجاد بديل ذي مضمون اجتماعي.
هذا بالنسبة للشباب، اما باقي خزان قيس سعيد فيضم شرائح عمرية اخرى رأت فيه نقيض النخبة السياسية الحزبية الراهنة التي تحملها مسؤولية تدهور أوضاعها، وتبحث عن شخصية جديدة قد تحمل معها الحل السحري.
هذا بالنسبة لسؤال من هم ناخبو قيس سعيد، وهو ينطبق في اجزاء منه مع ناخبي سيف الدين مخلوف او الصافي سعيد بل وحتي لطفي المرايحي، فناخبو هذا الثلاثي يتشاركون في قواسم مع ناخبي سعيد، في انتظار ان تكشف الهيئة عن كافة تفاصيل العملية الانتخابية.
اما لماذا قيس سعيد دون سواه، خاصة وان القطع مع القديم وتاسيس بديل هو برنامج يطرحه عد من المرشحين، ممن يتبنون خطابا ثوريا عربيا إسلاميا او يعلنون القطيعة الكلية مع النظام القديم والثورة المضادة، تصدروا المشهد السياسي خلال السنوات الفارطة.
هنا الاجابة عن هذا السؤال مركبة ولا يمكن اختزالها فقط في ان سعيد هو الوجه الجديد مقابل شخصيات وقعت تجربتها سابقا او شخصيا كانت قريبة من اطراف الحكم او متحالفة معه او مع مكونات منه.
سؤال لماذا سعيد دون سواء ستجيب عنه المعطيات الإحصائية التي ستكشفها الهيئة والتي ستساعد علي فهم كيف انتقل خزان انتخابي كان في السابق للنهضة وللمنصف المرزوقي ولليسار التونسي الي قيس سعيد.