الساسة والحلم بكرسي الرئاسة

انتصفت يوم أمس فترة تقديم الترشحات للانتخابات الرئاسية والحصيلة 21 «ملفا» لا يتوفر ثلثاها على القدر الأدنى من الجدية.

هنالك ستة ملفات فقط تبدو أنها استوفت شروط الترشح في انتظار القرار الأولي لهيئة الانتخابات والأكيد أن الوتيرة ستتسارع في النصف الثاني من هذه الفترة وخاصة في اليوم الأخير منها (الجمعة 9 أوت) وقد يكون لدينا ما بين 15 و20 ملفا جديا، ولكن البون شاسع بين الملف الجدي وبين الترشح الجدي والذي قد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في أقصى الحالات ..

ما الذي يفسر هذا التسابق بين أهم الشخصيات والقيادات الحزبية على كرسي قرطاج رغم اداركها جميعا بأن مركز الحكم الحقيقي في القصبة لو توفرت أغلبية برلمانية له ؟

ينبغي الإقرار بأن جاذبية رئاسة الجمهورية تبقى هي الطاغية في مخيالنا الجماعي وحتى عندما قلص دستور 2014 كثيرا من مهامها إلا أن مجرد انتخاب رئيس الدولة مباشرة من الشعب يجعل من هذا المنصب مركز السلطة الرمزي ومصدر الفعل السياسي ،وذلك رغم الحدود الفعلية لهذه السلطة كما بينتها السنة الأخيرة من هذه العهدة الانتخابية .

يعني في النهاية لا تهم كثيرا القدرة على الفعل والتغيير بالنسبة لصنف مخصوص من السياسيين المهم هو إنهاء المسار السياسي الشخصي في قرطاج حتى وإن لم يتناسب فوزه المحتمل مع أغلبية برلمانية قادرة على التناغم معه.

عند البعض الآخر التنافس على كرسي قرطاج يراد منه دفع معنوي للحزب الذي يتزعمونه وان المهم ليس الانتصار في كل الحالات بل المهم هو تحقيق ترتيب جيد بين الخمس الأوائل وبنسبة تصويت محترمة قصد البناء عليها واستثمارها سياسيا لمصلحة الحزب الذي يمثلونه .

ولقد أعطى تقديم الرئاسية على التشريعية حججا إضافية لهذا الصنف إذ أضحى الغياب عن الرئاسية نوعا من الانتحار السياسي للزعيم وللحزب في آن واحد..

أما الصنف الثالث والأخير من المترشحين الجديين فهم القادرون فعلا على الفوز والذين يريدون أن يمحوروا حول شخصيتهم ومشروعهم الحزبي كامل الحياة السياسة للخماسية القادمة..

ولكن من بعض هؤلاء من ينتمي لنفس العائلة السياسية ومن لم تترتب عندهم الأولويات بشكل صحيح وقد تدفع بهم ذواتهم المنتفخة إلى حد هزم عائلتهم بكثرة ترشحاتهم وبالقضاء على أمل المرور إلى الدور الثاني ..

ولكن إن ننسى فلا ننسى أن الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية ينبغي أيضا أن ينسجم شكلا ومضمونا مع مهام ووظيفة رئيس الجمهورية كما يحددها دستور البلاد لا كما يصورها مخيالنا الجماعي .

الفصل 72 من الدستور يحدد الوظيفة الأساسية لرئيس الجمهورية فهو «رئيس الدولة، ورمز وحدتها، ويضمن استقلالها واستمراريتها ،ويسهر على احترام الدستور» ثم يحدد الفصل 77 المهام الرئيسية لرئيس الجمهورية :«يتولى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة، ويختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية »(..)

فهذا ما يجب إذن أن يؤطر كامل الحملة الانتخابية للرئاسية لا كما نرى منذ الآن ومن بعض المترشحين «الجديين» حديثا عن كل شيء إلا عن هذه المجالات التي خص بها الدستور رئيس الجمهورية ..

الحديث عن مقاومة الفقر والصحة والتعليم ومحاربة غلاء المعيشة وتحسين المرافق العامة كله حديث خارج الموضوع ويثبت أن هؤلاء المترشحين إنما هم طلاب حكم فقط وفق ما يتصورون أنه مزاج الشعب لا وفق مقتضيات دستور البلاد والصلاحيات الدستورية لمختلف صلاحيات مؤسسات الدولة ..

لا يناقش احد في حق كل العائلات السياسية في وضع الخطط التي تكفل وصول مرشحيها إلى كرسي الرئاسة ولا جدال أيضا في أن المفاوضات وأحيانا المقايضات هي مسالة طبيعية في كل انتخابات شريطة الا توصلنا مرة أخرى الى المحاصصة والرغبة في اقتسام كعكة الحكم ..

ولكن من واجب كل المترشحين الجديين أو الذين يعتقدون أنفسهم كذلك أن يبينوا لنا حقيقة سياساتهم وتصوراتهم في هذين المجالين الهامين وهما : الدفاع الوطني والعلاقات الخارجية والأمن القومي المرتبط بهما.

اننا أمام مسائل جوهرية لكل بلد لا ينبغي استسهالها من قبل من يرغبون في نيل ثقة التونسيين.

فيوم 15 سبتمبر لن نصوت لبرنامج اقتصادي أو اجتماعي ولن نصوت لشعارات عامة حول تحسين أوضاع البلاد أو إنقاذها من الإفلاس ، هذا كله سيكون موعده يوم 6 أكتوبر عندما نصوت للبرلمان القادم، يوم 15 سبتمبر سنصوت لمن هو جدير بتمثيل تونس وقادر على الحفاظ على وحدتها ويمكن ائتمانه على تطبيق الدستور واحترام كل قوانين البلاد،وله تصور للأمن القومي ولموقع تونس في العالم..هذه هي رهانات يوم 15 سبتمبر ،ولكن حدسنا أنها ستكون غائبة أو ضعيفة خلال كامل الحملة الانتخابية والتي قد تتحول إلى حلبة صراع كل اللكمات فيها مباحة .

انه من دور الإعلام أولا ودور المواطنين الناخبين ثانيا أن تدار الحملة الانتخابية على محاورها الحقيقية حتى يتبين لنا جدارة كل مترشح(ة) من عدمها بنيل شرف تمثيل تونس وضمان وحدتها واحترام دستورها وقوانينها .. أما لو كان الأمر على عكس ذلك فسيختلط الحابل بالنابل وسنعرض بلادنا لازمات قادمة نحن في غنى عنها .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115