على ان الجولة الجديدة من الصراع تاتي قبل اشهر قليلة من الانتخابات وهذا معناه ان لا احد منهما سيغادر الحرب سليما، خاصة وان طالت آجال الحسم في الملف لدى الإدارة.
بنهاية الأسبوع الفارط انتقل الصراع بين شقي حركة نداء تونس الى مربع جديد. فكل طرف من المتخاصمين عقد اجتماعا لأعضاء اللجنة المركزية الداعمين له، الأول بالحمامات وانتهى بانتخاب سفيان طوبال رئيسا للجنة المركزية. والثاني بالمنستير وانتهى إلى انتخاب حافظ قائد السبسي رئيسا هو الآخر للجنة المركزية.
رئيسان للجنة مركزية وحيدة وأربعة نواب، وأمينان عامان ورئيسان للمكتب السياسي لذات الحزب هو ما أفضى إليه الصراع اليوم بين شقي نداء تونس (في انتظار استكمال شق المنستير لبقية المسار الانتخابي)، وهذا نقل الطرفين الى مربع جديد في الحرب بينهما، وهو الحسم الإداري والقضائي.
فكل طرف في الصراع حرص على أن يودع وثائقه ومحاضر اجتماعاته لدى رئاسة الحكومة ووزارة العلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني ليضفي على نفسه شرعية ويبعد خصمه بشكل كلي.هذا التوجه إلى الإدارة وإقحامها في صراع أجنحة الحزب بهدف امتلاك «الباتيندا»، سيفتح ابوابا جديدة للحرب.
لكن الجديد فيها ان حسم الجهة الرابحة لن يكون بيد طرفي الصراع، بل بيد الادارة ومن بعدها القضاء الاداري. فتوجه الطرفين الى ايداع وثائقهما لدى رئاسة الحكومة ومصلحة الاحزاب بوزارة العلاقات مع الهيئات الدستورية، سحب من تحتهما القدرة على الفعل لحسم الصراع ومنحها لطرف ثالث.
هذا الطرف المتمثل في وزارة يمسك بحقيبتها محمد فاضل محفوظ، القيادي بحركة مشروع تونس، وعضو بحكومة يترأسها يوسف الشاهد. لن يكون اي حكم يصدره محل قبول ورضا كما انه لن يكون بمأمن من توجيه الاتهام بالاصطفاف لطرف على حساب اخر لتصفية حسابات قديمة.
فالوزير وان لم يكن طرفا في الصراع الذي دار بين مؤسسي حركة مشروع تونس ونداء تونس في 2015 فان اي خيار يتخذه من بين الثلاثة خيارات المتاحة أمامه سينظر اليه بريبة ويؤول على انه تدخل من حزبه لتصفية حسابه القديم.خيارات الوزارة ستنعكس بدورها على حكومة الشاهد الذي لايزال صراعه مع حافظ قائد السبسي حاضرا في الأذهان إلى اليوم، اي انه سيكون تحت ضغط كبير ولن يمر حسمه لصالح احد الطرفين دون توجيه أصابع الاتهام. قد تنجو منها الحكومة والوزارة بالتوجه للقضاء الايداري لحسم الملف وإقرار أي شق سيكون رئيسه الممثل القانوني للحزب.
في انتظار ما ستقرر الإدارة، والتي قد ينظر عدم تسريعها لمعالجة الملف على انه محاولة لإرهاق الطرفين وتأبيد صراعهما إلى غاية الانتخابات. وهذا إن تم فان الشقين سيتكبدان تداعيات حربهما انتخابيا وقد تتعقد الأمور لكليهما ببلوغ مرحلة تقديم القائمات الانتخابية.
فبلوغ شهر أوت القادم دون أن تتضح الصورة ويتحدد من هو الشق الذي له شرعية تسيير الحزب، قد يعني أن إيداع أية قائمات باسم نداء تونس لن يكون بالأمر الهين، وقد لا يقع اعتماد مبدإ من أودع أولا كما حدث في 2011 في ملف قائمات حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، التي انقسمت وتقدم كل شق فيها بقائمات اعتمدت التي تقدمت أولا.
هنا أوضح احمد صواب القاضي الإداري السابق، أن القانون ووفق مرسوم 87 لا يتضمن حلا لمعالجة الإشكال القانوني القائم في نداء تونس. واعتبر صواب النص قاصرا نظرا لسياق التاريخي في 2011 الذي لم يسمح باستباق حالات تتعلق بكيفية معالجة ملفات بالتنظيم الداخلي والنزاعات الحزبية.اذ لم يتضمن القانون آليات لحسم الصراعات الداخلية في الحزب، فقد ركز على الجانب المالي ولاحقا على إحداث وتنظم الحزب ومسيريه.
صواب اكد أن مرسوم 87 جعل الممثل القانوني للحزب هو المسؤول الأول فيه والذي عادة يكون الأمين العام. وان المخرج القانوني الممكن لحسم النزاع هنا هو مبدأ من «المرسم الأول تقدم له الخدمة أولا» قياسا على مادة الاجراءات ومادة الانتخابات- وتكون له أحقية التسجيل وما على الطرف الأخر إلا التظلم لدى المحكمة الإدارية.
وأضاف أن القاضي الذي سينظر في الملف سيكون له حل من اثنين العودة إلى قانون الأحزاب، وهذا قد يعني أن لا احد له الصفة في التظلم امام القضاء العدلي. والحل الثاني اعتماد روح النص والاستنجاد بالقياس القانوني والقواعد العامة. وقبول الطعن والفصل فيه باعتماد من له قرينة الشرعية.
هنا اعتبر احمد صواب ان ملف نداء تونس قد يمثل سابقة تستوجب مراجعة قانون الأحزاب الذي غفل عن عدة نقاط أساسية ومنها حالات النزاع داخل الحزب، كما ان نصوصه لم تطبق بحذافيرها ومنها المتعلقة بالتنظيم المالي للأحزاب الذي لم تحترمه الدولة والأحزاب والقضاء.