خطاب رئيس الجمهورية في ذكرى الاستقلال الـ63: الباجي قائد السبسي يدعو النهضة والشاهد إلى «التوبة»

ألقى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم أمس بمناسبة ذكرى الـ63 للاستقلال، خطابا قال ان المعنيين به

فهموا مقصوده، وهو الذي تحدث عن كل شيء، عن الماضي ومحطاته سواء في ملف الاستقلال او تجربته وعلاقته مع الراحل الحبيب بورقيبة او عن الحاضر وخلافاته مع الشاهد والنهضة وكيف تدهورت الأوضاع، وعن المستقبل وكيفية إنقاذ تونس، وفي حديث ترك فتات الخبز ليقتفيه من يريد فهم قصده، وهو ان من خرق الوحدة الوطنية وجر البلاد الى ازمتها الراهنة هما الشاهد والنهضة وان الحل في توبتهما.

52 دقيقة هي مدة خطاب رئيس الجمهورية يوم أمس، دقائق كانت كافية له ليتحدث عن عدة مواضيع ربما يظن مستمعه للوهلة الأولى أنّ لا رابط بينها ولا تسلسل في الانتقال بينها، فالرئيس استهل كلمته بالحديث عن الاستقلال ومساره الذي انطلق من 20 مارس 1956، وهو موعد قال ان التونسيين يحتفلون به باعتباره يوم الاستقلال ولكن الحقيقة ان 20 مارس هو تاريخ إمضاء وثيقة الاستقلال.

من هنا انتقل الرئيس الى الحديث عن ان وثيقة الاستقلال الممضى عليها في 20 مارس موجودة في الأرشيف الوطني كغيرها من الوثائق التي تهم رئاسة الجمهورية، ووجه شكره للأرشيف على عمله في تنظيم الوثائق التي وجدوها في حالة تعيسة ووقع «فرفشتها».
قوس فتحه الرئيس ليوجه سهام نقده المبطنة لرئيسة هيئة الحقيقة والكرامة ومن سبقه في الرئاسة وأغلقه ليتلو وثيقة الاستقلال التي تضمنت «فرنسا تعترف باستقلال تونس» وقال ان الوثيقة لم تحل دون وجود الجيش الفرنسي في تونس بعد 20 مارس1956، وان الاستقلال الفعلي كان نتيجة كفاح والوحدة الوطنية التي مكنتها من تجسيم استقلالها الفعلي بعد 7 سنوات.

مسار الاستقلال وتضحيات تونس بعد الإمضاء على وثيقة الاستقلال أبرزه الرئيس للتذكير بما عاشته البلاد حينها وكيف مكنت الوحدة الوطنية البلاد من الخروج من صعوباتها، ماض يذكر به الرئيس ليقع استخلاص العبر منه في بناء المستقبل، والعبرة هي «الوحدة الوطنية» هي حل كل مصاعب وأزمات تونس.وحدة وطنية هي رسالة الباجي قائد السبسي في الردح الأول من خطابه، وهو ما قال انه حاول القيام به لأنه يدرك أن «نجاح البلاد لا يكون إلا بها».

من الوحدة الوطنية ودروس الماضي انتقل الرئيس الى الحديث عن الثورة التي حققت عددا من المكاسب للتونسيين من بينها الدستور على مآخذه، وأيضا هناك مكسب عظيم اخر هو انتخاب رئيس الجمهورية لأول مرة من قبل الشعب بشكل حر ونزيه وشفاف.
مكاسب الثورة قال الرئيس انه كان يجب المحافظة عليها، ولكن وقع خلاف بينه وبين بعض الحساسيات السياسية في قراءة النص الدستوري، وهنا كشف الرئيس عن الحساسيات التي يعنيها، وهي حركة النهضة ورئيس الحكومة.

فالأولى تأول الدستور وفق قراءتها الخاصة وتغفل عن ان الدستور حسم في فصله الثاني أن تونس دولة مدنية قوامها ثلاثة عناصر، المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون، والأخيرة تعني علوية الدستور، وهنا قال انه لا يجب ان يقع الخلاف بشأن مدنية الدولة.

من مدنية الدولة انتقل إلى السلطة التنفيذية والفصل الـ71 من الدستور الذي نص على «يمارس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية وحكومة يرأسها رئيس الحكومة.» وكيف ان هذا الفصل وقع خرقه بإقصاء رئيس الدولة بتوافق بين حركة النهضة ورئيس الحكومة مضمونه أن يقع تكوين حكومة دون العودة لرئيس الجمهورية واستشارته، وهو ورغم هذا التجاوز فانه تجاوز الأمر وحديثه عنها ليس «للوم وإنما لذكر الحقائق».

حقائق تتضمن أيضا مؤشرات عن تدهور الوضع العام في تونس، وهنا لعب الرئيس ورقته وقدم معطيات وأرقاما عن الوضع الاقتصادي والمالي في تونس تبين فشل الحكومة في إخراج البلاد من أزمتها ومن الخطر الذي هي فيه. مؤشرات خطيرة قال انه بحث عن حل لإنهائها لكنه لم يجد وانه يسردها ليس بهدف تسجيل نقاط ضد خصومه وإنما لسرد الحقائق التي تضمنت أيضا الحديث عن موارد الدولة من فسفاط وغاز وبترول تقلصت عائداتها منذ 2011.

من هنا انتقل الرئيس للحديث عن ضرورة فهم الدستور وكيف انه قد يكون من الأفضل التفكير في تعديل بعض فصوله) مشيرا في اخر حديثه الى ان لديه مشروع تعديل جاهز(، وان بعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية «يهمها» النظر في الدستور الذي شهد تعديلات سمحت بتلافي نسخته الأولى التي كان من بينها أن المرأة مكملة للرجل، قبل التراجع عن هذا وإقرار مبدأ المساواة بينهما. مبدأ قال الرئيس انه مكلف بتطبيقه ومن ذلك المساواة في الميراث، وانه اخذ زمام المبادرة لان الدستور نص على هذا وفصوله آمرة للدولة بالقيام بكذا ورئيس الجمهورية هو الدولة.

هنا كرر الرئيس تأكيده عن ان حديثه ليس لوما بل سرد وقائع وحقائق، من ذلك كيف ان بعض الأحزاب دون سبب انسحبت من الوحدة الوطنية دون شرح أسبابها، وان الوحدة الوطنية التي حرص عليها لم تستمر، وهنا قال ما يمكن اعتباره أهم ما تضمنه الخطاب.
البلاد في مضيق والاستمرار في هذا الحال ليس في مصلحتها، وان عاد الشاهد ووضع اليد في اليد يمكن الخروج من الأزمة فهذه رغبة الرئيس الوحيدة وعلى من يؤاخذونه على مواقف سابقة أنّ يدركوا انه أخذها بهدف ضمان مصلحة تونس وان السياسة ليس فيها عداوة الى ما لانهاية او صداقة دائمة.

وهنا عاد ليوجه سهام نقده ويعلن أن تونس تعاني من نقص في رجال الدولة مقابل وفرة رجال سياسة مشغولين بالانتخابات فيما رجل الدولة منشغل بمستقبل البلاد وأجيالها، وهنا مر الرئيس للحديث عن الأزمات التي تمر بها الديمقراطية التمثيلية في الدول الديمقراطية وكيف ان تونس تعاني من هذه الأزمة.

خطاب الرئيس الذي دام52 دقيقة تطرق للكثير من الأحداث والتفاصيل والهوامش التي وزع بين ثناياه فتات الخبز ليقتفيه الباحث عن فهم ما يريده الرئيس من خطابه الذي كان حمال أوجه. فالرئيس وهو ينتقد ويوجه سهامه اللاذعة دس فيها رسائل مبطنة، مفادها إن الحل لتجنب الأزمة وما قد يترتب عنها هو «الوحدة الوطنية» وان هذا ممكن فالرئيس يمد يده لمن فهم رسالته.

رسالة مفادها ان الشاهد وحركة النهضة هما، وبدرجة اقل احزاب اخرى، هم من خرقوا صف الوحدة الوطنية التي تتجسد في الالتفاف حول رئيس الدولة، أي حوله، وان هذا الخرق فاقم ازمة البلاد في ظل فشل حكومي.
ازمة لمح الباجي ان الخروج منها ممكن لكن بشرط التوبة والعودة الى الوحدة الوطنية، التي من دونها حتى الرئيس نفسه عاجز عن انقاذ البلاد مما تسبب فيه فشل الحكومة والائتلاف الشاهدي النهضاوي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115