حركة النهضة ما بعد الغنوشي: المعارك الثلاث : هوية الحركة ...وحدتها ...القيادات

يكشف «علم الأساطير» / Mythologie أن الإنسان أوجد تصورا يريد به شرح الطبيعة والحالة الإنسانية

ومنه الى الفهم الذي يستمد منه «قواعد» يحيى بها، من ذلك أن الأسطورة تقول ان الحديث عن الشيء جالب له، فلذلك من الأفضل تجاهل الحديث عن الكوارث والأزمات المرتقبة. هذه القاعدة يبدو ان حركة النهضة تطبقها ان تعلق الأمر بملف لا يرغب أحد في فتحه وهو قرب نهاية العهدة الثانية لراشد الغنوشي ولا بديل جاهز بعد لخلافته.
بداية الأسبوع الجاري أعلن القيادي بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي عن وجود 20 شخصية من حركته قادرة على الفوز برئاسة الحركة، وخلافة رئيسها الحالي ومؤسسها راشد الغنوشي، تصريح مر دون ان يشد انتباه احد طوال الأيام الفارطة، فالحديث عن مؤتمر النهضة قبل سنة وثلاثة اشهر لا يغري أحدا.
هذا المنطق في ترتيب الاولويات سقط عنه، ان حركة النهضة وفي مؤتمرها التاسع اقرت بانه لا يحق لرئيس الحركة تجاوز دورتين متتاليتين، اي ان راشد الغنوشي وبمقتضى النظام الداخلي للحركة سيغادر «موقع الرئاسة» ماي 2020 ويتركه لغيره.

عند هذا الحد لا شيء استثنائي، فالتداول على المواقع سنة وجب احياؤها في الاحزاب، لكن هنا يسقط ايضا إدراك ان هذه السنة تتعلق اليوم «بزعيم» و«مؤسس» الحركة اي ان تغييره لن يكون امرا عاديا تستوعبه الحركة وتستمر الحياة «طبيعية» فيها. بل ان حروبا ثلاث ستفتح جبهاتها في التوقيت ذاته مما قد يفعل بالنهضة لم يفعله بها خصومها.
فالحركة التي ارتبط اسمها باسم مؤسسها، ونجت من هزات وازمات لوجوده ستكون اليوم دونه، وليس هذا فقط بل ستعيش سباق «الخلافة»، فمحاولات اخذ موقع الغنوشي ليست بالبدعة في حركة النهضة، بل لها اليوم اكثر من 12 سنة تقريبا، حيث انطلقت محاولات تعويض الشيخ من المهجر في 2007 وان كانت باحتشام وعبرت عن نفسها برفع مجموعة صغيرة من قيادات الحركة مطلب نقل القيادة الى الداخل ومحاسبة راشد الغنوشي عن جملة من الخيارات.

مناورة هدفت الى نقل القيادة في 2007 الى كل من علي العريض وحمادي الجبالي وبقية ابناء الجيل الثاني في الحركة، ولكنها فشلت ولم يقع استئنافها، اي استئناف الحديث عن مرحلة ما بعد «الشيخ» إلا في بداية 2011. اذ فتح نقاش سرعان ما اغلق قوسه هو ايضا.
ليستقر الامر على ان مصلحة النهضة تقتضي ان يستمر راشد الغنوشي في موقعه الى حين عقد مؤتمرها التاسع، على امل ان تحقق النهضة «التمكين» ومعه تصبح قادرة على احتواء صدمات مرحلة ما بعد الغنوشي، تقدير هو الاخر سقط في 2012 حيث اقر المؤتمر التاسع ارجاء مسألة «خلافة الغنوشي» الى مؤتمر استثنائي كان من مهامه المحددة سلفا اختيار قيادة جديدة بالكامل للحركة.

لكن هذا المؤتمر الاستثنائي لم ينعقد وحل محله المؤتمر العاشر الذي تأقلم فيه النهضاويون مع التطورات الداخلية والاقليمية وخيروا ان يظلّ «الشيخ» رئيسا للحركة تجنبا لانقسا م ظهرها، تاقلم استوجب تغيير اجندة المؤتمر العاشر من تعويض راشد الغنوشي إلى التمديد له بفترة جديدة في رئاسة الحركة، وهذه العهدة ستكون الاخيرة، فالنظام الداخلي المنقح في المؤتمر التاسع ينصّ على انه لا يحق لرئيس الحركة البقاء في موقعه اكثر من دورتين.

المانع القانوني لن يترك مجالا في المؤتمر الـ11 للنهضة لايجاد مخرج او صيغة للتمديد لرئيسها الحالي، رغم اشارة بعض الاوساط في الحركة الى وجود مخرج او اثنين، الاول طرح مسألة التمديد للشيخ على الاستفتاء كما تم في ملف الفصل بين السياسي والدعوي والثاني ان يقع الاتفاق بين الجميع قبل انعقاد المؤتمر على انه سيد نفسه وهذا يشمل طرح مسألة تعديل القانون بما يسمح للغنوشي بالتمديد.

لكن هذا لا يبدو انه قد يرضي مجموعة ليست بالاقلية في الحركة، تعتبر انه لم يعد من اللائق التمديد او تأخير «الانتقال» في القيادة، اي ان يقع تاجيل المرحلة الانتقالية في الحركة لاربع سنوات اضافية، لهذا وعلى عكس المؤتمر السابق التمديد للشيخ لن يكون محل اجماع، وهذا كان بارزا منذ اشغال الشورى في دورته 41 بتاريخ 13 و14 فيفري 2016. لدى مناقشة التمديد للشيخ قبل المؤتمر في ماي من نفس السنة.

2016 هي السنة التي حسم فيها الى حد كبير «ملف الخلافة» وانطلقت مناقشة مرحلة ما بعد الغنوشي ورسم ارضيتها بشكل واضح وصريح، وهذا عبر عنه بمقترحات بتطوير الجهاز التنظيمي للنهضة- تظل مهمة حتى وان اسقطها المؤتمر- ومن بينها ان يصبح رئيسها منتخبا من قبل المكتب التنفيذي او المكتب السياسي الذين يقع انتخابهما من قبل المؤتمر، اي ان تصبح القيادة جماعية وموقع الرئيس فيها «مبجل» ببعض الصلاحيات.

هذه المقترحات يبدو انه يقع الاستعداد لطرحها مرة اخرى خلال الاسابيع القادمة تمهيدا لانطلاق الحديث عن مرحلة ما بعد الغنوشي، التي لا تزال مؤجلة في الحركة ولا احد يرغب في فتحها وفق ما اشار اليه القيادي سامي الطريقي في تصريح لـ«المغرب» شدد فيه على ان «موضوع الانتقال القيادي لم يطرح بعد في الحركة».
نفي طرح الموضوع للنقاش العلني في النهضة، لا يعني انه لم يناقش بين اوساط تراهن على المؤتمر القادم للأخذ بزمام الأمور في الحركة، فالمراهنون على خلافة الغنوشي ليسوا 20 كما أشار القيادي عبد الحميد الجلاصي بل هم زمرة تعد على اصابع اليد الواحدة، أبرزهم الجلاصي نفسه ومعه علي العريض، وبحظوظ اقل منهما يبرز عبد الكريم الهاروني وعبد اللطيف المكي وعدد اخر من القيادات.

هذا العدد من المرشحين الجديين لخلافة الغنوشي وهويتهم، يكشف عن وجود تيارين أساسيين يتصارعان في الحركة على من يظفر بالموقع الأول فيها، وبأهم الأجهزة التنفيذية أيضا، تياران الصراع بينهما يختزل على انه صراع على المواقع ولكنه أيضا صراع على «الهوية».
«صراع الهوية» الذي كان منذ 2015 بارزا على انه صراع داخلي، لن يطول اجل بروزه للعلن فالنهضة التي اقرت فصل السياسي عن الدعوي في مؤتمرها العاشر لاتزال تخوض نقاشات داخلية عن مدى هذا الفصل والأهم «اي موقع للدين» في سياسة الحركة. نقاش لم ينجح راشد الغنوشي لدى طرحه لمفهوم «الاسلام الديمقراطي» من حسمه. بل استمر الجدل بشان الهوية قائما وسيكون إحدى اوراق الصراع بين المتسابقين على خلافة الشيخ في المؤتمر القادم.

صراع سيكون بين من يرون ان النهضة مطالبة بالذهاب خطوة الى الامام، اي ان تصبح حركة مدنية محافظة دون مرجعيات دينية، من جانب اخر يقف الطرف الثاني عند ان تظل الحركة «إسلامية» حتى وان على مستوى المرجعية الثقافية والفكرية لها، اي ان يظل الإسلام جزءا من هويتها ومحددا لها.
هذا الصراع يعبر عنه بشكل غير مباشر سامي الطريقي بقوله ان الحركة اليوم يشقها تياران الاول يرى ان الاصلاح الذي اقره المؤتمر العاشر لا يتم الا «بالانتقال القيادي» وهو متمسك بان تكون أولوية النقاشات التمهيدية للمؤتمر المسائل التنظيمية، على النقيض منه يقف التيار الثاني الذي يعتبر ان الحركة اليوم مطالبة اكثر بالتركيز على المسائل الفكرية ومنها مسألة الانتقال الى «حزب مدني» وهذا التيار يرى ان مفهوم «الاسلام الديمقراطي» اصبح الشجرة التي تخفي وستخفي التداخل بين السياسي والديني في النهضة.

هذا الصراع بشأن هوية النهضة سيكون هو المحدد لمستقبلها، فان احتدم ولم يجد التياران أرضية مشتركة بينهما فان إمكانية تصدع الحركة وانشقاق جزء منها تصبح واردة بشدة، وقد تصبح الحركة ثلاث «حركات» الاقدر منها على الحياة وتعويض الحركة الاصلية هي التي ينتسب اليها العدد الاكبر من اعضاء مجلس النواب القادم.
مصير النهضة يبدو انه مرتبط بما ستكشف عنه الايام القادمة من تحركات صلبها وفي تخومها، سواء للتمديد للشيخ تجنبا للمصيبة او البحث عن «توافقات» تبقي الحركة متماسكة وان شكليا الى حين قدوم «الخليفة» القادر على توحيد صف النهضاويين في ظل غيابه اليوم، فلا احد من قيادات الحركة له القدرة اليوم على توحيد صف الحركة خلفه ليحل محل الشيخ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115