وفق الحيز الزمني الذي يسمح به الدستور وفي انتظار الحسم النهائي في هذين الموعدين في الأسابيع القليلة القادمة ..
والى حد اليوم يبرز الباروميتر السياسي الشهري الذي تنجزه سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة المغرب بأن النهضة تتقدم بوضوح على نداء تونس في التشريعية أما في الرئاسية فيأتي يوسف الشاهد في المرتبة الأولى متقدما على قيس سعيد بينما يتدحرج رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إلى المرتبة الرابعة وهكذا يكون قد خرج من الدور الأول وفق سبر الآراء هذا..
أشهر قليلة ، كما أسلفنا ، تفصلنا عن مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية وبدأ التونسيون تدريجيا ينظرون إليها إما بشيء من الأمل أو التوجس أو عدم الاكتراث ولكن استعداد الأحزاب والشخصيات والمستقلين المعنيين بها بدأ منذ مدة فهي قد تكون حاسمة لجلهم وقد تغير في المشهد السياسي للفترة اللاحقة بصفة مهمة ..
قبل تفصيل سبر آراء نوايا التصويت الذي أجرته خلال الأيام الفارطة مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» ننوه إلى :
-نعتمد دوما في تحليلنا لنوايا التصويت لا على النسب العامة الخام أي نسبة عدد الأصوات من مجموع الجسم الانتخابي بل فقط على نسبة عدد الأصوات من نوايا التصويت المعلنة أي أننا نجعل القارئ دوما في وضعية إعلان هيئة الانتخابات على نتائج التصويت حتى تسهل المقارنة وفهم دلالات الأرقام في سياق انتخابي حقيقي..
-العينة المختارة وفق القواعد العلمية الموضحة في المؤطر لا تعني فقط التونسيين المسجلين في السجلات الانتخابية بل كل التونسيين البالغين لسن 18 سنة فما فوق والذين يحق لهم الانتخاب بمعنى أن نسبة نية التصويت عند هذه العينة الممثلة لحوالي 8.5 مليون نسمة ليست هي بالضبط نسبة التصويت بالنسبة للمسجلين ، مع العلم بأن مسجلا قد يعرب عن عدم نيته التصويت كما أن مواطنا غير مسجل اليوم قد يقول بأنه سيصوت للقائمة أو للشخصية الفلانية بما يجعل تقدير نسبة المشاركة معقدا إلى حد ما ولذلك فإن الرقمين اللذين أعطيناهما باحتساب عدد المصوتين على عدد المسجلين إنما هو نسبي للغاية .
ولكن قمنا بهذا الاحتساب التقديري حتى نقارب الوضعية الذهنية للتونسيين اليوم
47 % نسبة مشاركة تقديرية في التشريعية و72 % في الرئاسية هما نسبتان ينبغي أن نتعامل معهما بحذر ذلك أن تجربتنا الانتخابية قد أعطتنا في 2014 نسبة مشاركة في التشريعية أرفع من الرئاسية ولكن يمكن أن نفهم هذا الفارق بوضوح الرئاسية في أذهان المواطنين بصفة اكبر من رهانات التشريعية التي مازالت معقدة لديهم ، والأكيد أننا بقدر ما سنتوغل في سنة 2019 وبقدر وضوح العرض الانتخابي للتشريعية والرئاسية سترتفع الرغبة في المشاركة وتقديرنا أننا لن نكون بعيدين جدا عن النسب التي تحققت في 2014 حيث كانت نسبة المشاركة داخل الجمهورية (أي في الدوائر المحلية السبع والعشرين ) في حدود 70 %.
التشريعية : النهضة فالنداء ثم البقية ..
يبدو إلى حد الآن أن هنالك معطى ثابتا وحيدا في التشريعية وهو استقرار حركة النهضة في منطقة ما بين ربع الأصوات (25 %) وثلثها (33.3 %) وذلك منذ انتخابات2014، فالحركة الإسلامية لم تتقدم تقريبا على مستوى قوتها الانتخابية عما كانت عليه في تشريعية 2014 بل لعلها خسرت جزءا من قاعدتها الانتخابية خاصة في بلديات 2018 ولكنها بقيت محافظة على نسبة تقارب 30 % كما هو الحال في سبر آراء نوايا التصويت هذا ولكن منافسها في 2014 هو الذي انهار انتخابيا إذ لم يحصل إلا على %22 فقط .
نداء تونس ، كما هو في مخيلة عموم التونسيين هو حزب السلطة وحزب رئيس الدولة والحكومة والتونسي لا يميز إلى حد الآن بين النداء التاريخي والنداء الحالي والانشقاق الجديد والكبير الحاصل داخله .. والسؤال اليوم كيف ستقتسم القيادة الحالية للنداء مع المشروع السياسي الجديد ليوسف الشاهد القاعدة الانتخابية الندائية ولمن ستكون الغلبة ؟ ولعلنا نجد إجابة أولية في نوايا التصويت للرئاسية ..
للتذكير فإن نوايا التصويت تقع بصفة تلقائية ودون طرح أي اقتراحات وسوف نرى بأي حجم سيدخل المشروع السياسي الجديد الذي سيعلن عنه اليوم بالمنستير ..
• إلى حد الآن لم يستطع أي حزب معارض الاستفادة من الأزمات المتكررة لمنظومة الحكم ولم يتجاوز أي واحد منها عتبة 10 %..بل نجد أن حزبين فقط تجاوزا في سبر آراء نوايا التصويت عتبة 5 % وهما الجبهة الشعبية بـ9.3 % والتيار الديمقراطي بـ%7.7 ولكن حتى هذا التقدم النسبي يحتاج إلى تأكيد الصندوق في نهايات 2019 .
• بعد ثنائي الجبهة والتيار نجد ثلاثي يتزعمه الحزب الدستوري الحرّ بـ3.0 % ويليه حراك تونس الإرادة بـ2.3 % ثم حركة الشعب بـ2 %
إذن لا وجود لجديد يذكر إلى حد الآن ولكننا نعلم أن هنالك ثلاثة عناصر جديدة قد تغير هذا المشهد ربما رأسا على عقب .
• أول هذه العناصر وأقربها في الزمن هو إعلان ميلاد ما سمي بحزب يوسف الشاهد والذي يتمنى باعثوه بأن يولد كبيرا على منوال ما حصل مع حزب نداء تونس في 2012.
• ثاني هذه العناصر هو إعلان اتحاد الشغل انه معني بالانتخابات التشريعية والرئاسية ولكننا لا نعلم إلى حد الآن كيف سيكون شكل مشاركة المركزية النقابية والأكيد انه عندما يوضح الاتحاد صورة وشكل مشاركته فسيغير ذلك حتما جزئيا أو كليا التوازنات السياسية الحالية .
• ثالث هذه العناصر يتعلق بالقائمات المستقلة وهل ستجد نفس النجاح الذي شهدته في بلديات 2018 أم سيكون مصيرها كمصير سابقاتها في 2011 و2014 ؟
لن نعلم مدى استعداد الناخب للتحول من قائمة حزبية إلى قائمة مستقلة إلا متى توضح العرض الانتخابي بصفة نهائية أي لن نعلم هذا قبل الصائفة القادمة .
الرئاسية : يوسف الشاهد وقيس سعيد في الدور الثاني ؟
على امتداد كامل سنة 2018 كانت الغالبية الساحقة لعمليات نوايا التصويت في الرئاسية تفيد بأن الباجي قائد السبسي يحتل دوما احد المركزين الأول أو الثاني فقط أي انه كان مؤهلا نظريا لخوض غمار دور ثان افتراضي مع شريكه في هذين المركزين يوسف الشاهد.
في هذه الدفعة هنالك جديد على غاية من الأهمية :
• تعميق يوسف الشاهد للفارق الذي يفصله عن صاحب المرتبة الثانية بثماني نقاط كاملة رغم انه لا يحصل إلا على 22.5 % من نوايا التصويت
• التراجع الكبير للباجي قائد السبسي الذي يحتل المرتبة الرابعة بـ9.2 % ومتأخرا عن صاحب المركز الثاني قيس سعيد بأكثر من خمس نقاط
• وجود قيس سعيد في المرتبة الثانية بـ%14.6 ومتقدما بأكثر من ثلاث نقاط عن صاحب المرتبة الثالثة المنصف المرزوقي الذي يحصل على 11.4 % من نوايا التصويت
• ابتعاد كل المنافسين الآخرين من حمة الهمامي الى صافي سعيد وسامية عبو ومحمد عبو وكمال مرجان ومهدي جمعة عن حلبة المنافسة الجدية للمركزين الأول والثاني
• حصول زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على 1.9% فقط من نوايا التصويت مقابل %30 لحركته في التشريعية وهي مفارقة سياسية تونسية قل أن نجد لها نظيرا في العالم بمثل هذه الحدة ..
كيف يمكن أن نقرأ كل هذه الأرقام ؟
بداية يمكن أن نقول بان يوسف الشاهد بصدد ربح رهانه عند الرأي العام وهو تقديم نفسه كوارث فعلي وحيد للباجي قائد السبسي رغم انف هذا الأخير وانه بصدد حسم نهائي لصالحه للمنافسة بينه وبين رئيس الدولة الذي لن يتمكن من مواصلة لعب دور سياسي أساسي لو أكدت كل عمليات سبر الآراء بأنه أصبح خارج دائرة المنافسة الجدية لخلافة نفسه ..
لسنا ندري هل أن صاحب قرطاج الحالي قد قرر إعادة ترشيح نفسه لولاية ثانية أم لا ولكن خروجه المبكر من سباق المنافسة الجديدة سيخرجه لا محالة من دائرة التأثير المباشر على مالأت الانتخابات القادمة وما بعدها
-حضور أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بهذا المستوى قبيل اشهر معدودات من الانتخابات قد يدعو للاستغراب ولكن هنالك عناصر تفسيرية مهمة قد تغيب عنا أحيانا في فهم الدوافع العميقة للناخبين .
قيس سعيد يمثل عند جزء من الرأي العام صورة أخرى للفعل السياسي غير المعني بالبهرج الخارجي وبحملات التسويق الحديثة
يمكن ان نتحدث عن مخيال جماعي يمثله قيس سعيد : دولة القانون المجردة حتى من النوازع النفسية الكلاسيكية عند البشر .. فجسد قيس سعيد بمعنى حضوره الجسماني بكل مكوناته يمثل نوعا من التعالي بمعنى (la transcendance) ونوعا من تجريد المفاهيم السياسية الأساسية : القانون والعدالة والدولة ، واختيار قيس سعيد ألا يتكلم إلا بالعربية الفصحى فقط لا غير يجعله في تناغم مع نوع من الطهورية الثورية التي ينشدها خاصة الشباب المتعلم ..
وقيس سعيد يمثل أيضا اختيارا لا حزبيا لشخصية لم يتم اختراقها أو استيعابها من المنظومة الحزبية بأسرها وبالتالي يكون التصويت لفائدته عنوان تمرد على كل هذه المنظومة..
وبهذا يكون لهذا الحضور القوي بقيس سعيد اكثر من دلالة سياسية ومجتمعية ، ويبقى فقط أن نعلم مدى رغبة المعني بالأمر في خوض غمار منافسة صعبة ومستوجبة لآلة تنظيمية ضخمة من عدمه ..
-حصول رئيس النهضة راشد الغنوشي على 1.9 % من الأصوات بصفة تلقائية في حين تحصل حركته في نفس سبر الآراء المتعلق بالتشريعية على %30 له دلالة سياسية كبرى في بلادنا وهو ان القاعدة الانتخابية النهضوية لا ترى بديلا حزبيا عن حركتها ولكنها لا تثق بالمرة في قيادتها الحالية ولا ترى فيها ممثلا لطموحاتها وهذا يدل على ان قيادة الحركة الإسلامية لا يمكنها التحكم في توجيه ناخبيها في الرئاسية وانهم سيصوتون كما فعلوا ذلك في 2014 للمرشحين الأقرب إليهم وقد تتوزع أصواتهم بين شخصيات مختلفة كقيس سعيد أو المنصف المرزوقي او سامية عبو ومحمد عبو دون ان يكون لتوجيهات الحزب كبير تأثير عليهم نظرا لعدم ثقتهم في قيادتهم الحالية ..
ويبقى هنا كذلك مجال هام لقلب هذه المعادلات في صورة دعم اتحاد الشغل لمرشح بعينه سواء كان داخل هذه القائمة او خارجها .
هذه صورة أولية لنوايا تصويت التونسيين في جانفي 2019.. صورة فيها بعض الثوابت ومتغيرات كثيرة ولا شيء يقول بأن هذه الصورة لن تطالها تغييرات هامة هي الأخرى وإن كان من الواضح بأننا إزاء بعض التوجهات العامة التي لم تتغير كثيرا في عمقها على امتداد هذه السنوات الأخيرة ..
صورة تنتظر إعلانات الأيام والأسابيع والأشهر القادمة لتكتمل ولترسم المشهد النهائي الذي ستدور فيه الانتخابات القادمة .
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 1705 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %2.4
تاريخ الدراسة : من 8 إلى 25 جانفي 2019