سنة التقلبات السياسية: صراع مفتوح بين قائد السبسي والشاهد... نهاية التوافق بين النهضة والنداء ...

قليلة هي السنوات التي قد تتخذ كمرجعية في تونس، وخاصة إن تعلق الأمر بالشأن السياسي، لكن سنة 2018 مرشحة

لان تكون سنة مرجعية في السياسة التونسية، ففي هذه السنة شهدنا تقلبات وتغير خارطة الحكم ونهاية سياسة التوافق واستمرار الانشقاقات في نداء تونس، وأساسا شهدنا صراعا مفتوحا بين القصبة وقرطاج.

ككل سنة منذ الثورة، تستهل السنة الادارية الجديدة بتحركات احتجاجية في اغلب ولايات الجمهورية، قبل ان يعود الهدوء النسبي للساحة ويستمر كل شيء كما هو عليه باستثناء بعض التطورات التي غالبا ما يكون الفاعل الاساسي فيها قصر قرطاج او ساحة محمد علي.

لكن سنة 2018 وان استهلت كغيرها من السنوات باحتجاجات شعبية استمرت لغاية شهر فيفري تقريبا، فقد عرفت محطات استثنائية بها، اولى هذه المحطات موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تبنى منذ فيفري الفارط مطلب القيام بتحوير وزاري معمق.

مطلب دفع برئاسة الجمهورية الى تقديم مبادرة جديدة وهي احتواء الحوار بين الحكومة والاتحاد اولا ثم اطلاق مبادرة قرطاج 2 للخروج من الازمة التي احتدمت بعد ان بات مطلب الاتحاد اعفاء يوسف الشاهد وحكومته.

رفع شعار إقالة الحكومة سرعان ما بات هو الحدث الرئيسي في تونس منذ مارس الى غاية أفريل 2018، حيث التحق بالاتحاد العام التونسي للشغل، حركة نداء تونس، واتحاد المرأة والحزب الوطني الحر، ومنظمة الأعراف، فما عارضت حركة النهضة وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي والمبادرة واتحاد الفلاحين مسألة اعفاء رئيس الحكومة.

حالة من العطالة شهدتها المفاوضات فتوقفت وبتوقفها انسدت افق الساحة السياسية، في ظل انقسامات حادة بين اضلع الحكم، التي اختارت تجميد مناقشاتها الى حين الانتهاء من الانتخابات البلدية، في ماي 2018. انتخابات حملت معها مؤشرات غيرت من طبيعة النقاشات في قرطاج2 التي غادرها كل من الحزب الجمهوري وافاق تونس وحركة مشروع تونس.

هكذا مر النصف الاول تقريبا من السنة الفارطة، ازمة سياسية خانقة وصراع مفتوح بين حكومة الشاهد واتحاد الشغل الذي وجد مساندة من حركة نداء تونس، حزب الشاهد. لتقع التهيئة للنصف الثاني بحدثين اساسيين، الانتخابات البلدية التي خسرها نداء تونس، وخطاب الشاهد في ماي الذي استهدف فيه نجل الرئيس حافظ قائد السبسي والمحيطين به.

خطاب اعلن فيه الشاهد عن حربه المفتوحة على المدير التنفيذي لحزبه، حرب تجنب الاب رئيس الجمهورية الخوض فيها في أيامها الاولى، قبل ان يقرر بدوره الدفع في اتجاه اقالة الشاهد من منصبه، وهو ما عارضته حركة النهضة وتمسكت برفضه الى ان علق الحوار في قصر قرطاج وتفاقمت الازمة وبلغنا حد العطالة الكاملة.

عطالة استمرت طوال شهري أوت وسبتمبر الفارطين، وفيها شهدنا حربا مفتوحة بين نجل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وفيها تغيرت خارطة التحالفات كليا، حيث اعلن الرئيس عن نهاية عصر التوافق مع النهضة، بل واعتبرها من يومها عدوا سياسيا وانتخابيا. عداوة لم تقتصر على النهضة بل الحق بها الشاهد وحكومته وبات الوصف المعتمد لهما من قبل النداء وقصر قرطاج، حكومة النهضة وتوابعها.

وصف انطلق استخدامه مع جلسة منح الثقة لوزير الداخلية الجديد، جلسة شهدت فيها كتلة نداء تونس مخاضا انتهى بان تقرر التصويت بنعم لصالح الوزير الجديد مع تقديم طلب لحكومة الشاهد بعرض نفسها على جلسة منح ثقة، قبل ان تقرر ادارة الحزب تغيير خطتها لمواجهة الشاهد.

مواجهة اتسمت بتعدد الضربات التي وجهها كل طرف لخصمه، فقيادة النداء قررت أن تتجنب انشطار كتلتها باحتواء العناصر المؤثرة فيها، ونجحت نسبيا في ذلك، لكن وقع الانشطار وإن كان بضرر أخف، لتتشكل كتلة الائتلاف الوطني، التي تعرف اعلاميا بكتلة الشاهد.

كتلة ضمت لدى تاسسها نواب الاتحاد الوطني الحر، الذي قرر في اكتوبر الفارط ان ينسحب منها وينصهر في النداء، انصهار مكن رئيس الوطني الحر من تقلد منصب الامين العام الجديد للنداء، في اطار حزمة من الاتفاقات تمت بين قيادتي الحزب.

عملية كانت نتائجها عكسية على مخطط النداء ورئيس الجمهورية، حيث دفع الانصهار بين الحزبين حركة مشروع تونس الى اختيار صف الشاهد والانتصار له، بعد ان اتضح لها ان احياء النداء القديم بات غير مجدي لها على الاقل.

اصطفاف مكن الشاهد من المرور الى مجلس النواب وعرض تحويره الوزاري الذي مر بـ130 صوتا، من بينهم 5 اصوات لنواب من كتلة نداء تونس، والبقية هم نواب حركة النهضة والائتلاف الوطني ومشروع تونس وعدد من المستقلين.

المصادقة على التحوير لم تمر دون ان تخلف جدلا حادا بين القصبة وقصر قرطاج، جدل مرده رفض الرئيس لكيفية اجراء التحوير وعدم استشارته، وهو ما قابله اعلان رئيس الحكومة انه مارس صلاحياته الدستورية والتي لا تتضمن شرط استشارة رئيس الدولة ان لم يتعلق الأمر بوزارتي الخارجية والدفاع.

صراع مكتوب بين قرطاج والقصبة وجد طريقه ليصبح صاخبا خلال الأسابيع الاخيرة من سنة 2018، حيث بات البرود سمة العلاقة بين الطرفين، اضافة الى الانتقادات الحادة من هذا الجانب أو ذاك، على غرار ما تم في لقاء اضلع الحكم الـ8 منذ يومين بقصر قرطاج.

سنة انتهت وقد تغيرت معها خارطة الحكم في تونس نسبيا، ففي مطلعها كان النداء حزب حكم وفي نهايتها بات من قوى المعارضة، مقابل التحاق مشروع تونس بشكل صريح بالحكم اضافة لكتلة الائتلاف الوطني التي يبدو انها ستصبح نواة «حزب الشاهد» في السنة الجديدة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115