سبق ويمهد لقدوم اللاحق، تطبيق هذا الأمر على التصريحات الأخيرة بشأن نهاية الصراع بين النهضة ومشروع تونس، سيقوم بشرح أسباب هذا التطور ولماذا حدث.
خلال اليومين الفارطين، أدلى رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني بتصريحين، لإذاعة الديوان اف ام وإذاعة شمس أف أم، مضمونهما لم يتغير كثيرا عن بعضه، فقط تفاصيل إضافية عن التغير الحاصل في العلاقة بين النهضة وحركة مشروع تونس.
الحركتان اللتان كانتا «عدوتين» بشكل صريح ومباشر، وصلتا الى اتفاق اعلن عنه الهاروني ومضمونه نهاية «الصراع الإیدیولوجي بین النهضة وحركة مشروع تونس» لتبقى «المنافسة السیاسیة في اطار سلمي ودیمقراطي» هي التي تحدد العلاقة وشكلها بينهما. تصريح لم يقف عند هذا الحد بل ان الهاروني وفي الاذاعتين شدد على تونس تتسع للجمیع والدیمقراطیة «لا تكون بإقصاء الإسلاميين أو بإقصاء العلمانیین»، في تلميح الى امكانية التوافق والعمل المشترك.
تلميح يصبح تصريحا في دقائق ليقول الهاروني ان لقاءات حصلت بین الطرفین، أي بين حركته والمشروع، وان هذه اللقاءات انتهت الى إجماع على فتح صفحة جدیدة في العلاقة بينهما، و«هي خطوة ایجابیة ومتقدمة في النخبة التونسیة وسوف یكون لها صدى عربیا وعالمیا» وفق الهاروني. الذي التقى بدوره بالأمين العام للحركة محسن مرزوق مرتين، وانتهت لقاءاتهما بـ«ترك الصراعات الفكریة التي ستؤدي إلى حروب داخلیة».
قول الهاروني الذي سبقه تلميح من محسن مرزوق في حوار مع «المغرب» اعلن فيه عن نهاية زمن «الحروب» الايديولوجية، وان العلاقات بين الأحزاب المتنافسة حدد مجالها في ما ضبطه الدستور، وبل ان مسائل الهوية التي غفل عنها الدستور او وقع خلاف في تأويل ما يقول بشأنها تحل في اطار الأدوات التي وضعها.
أي بمعنى آخر إن المنافسة بينه وبين النهضة باتت اليوم محددة المعالم والمجال وان شروط بقاء أي منهما لا تتضمن إقصاء الآخر، وهو ما أعلنه أيضا الهاروني حينما قال «منافسة سياسية في إطار ديمقراطي»، اخذ هذه التصريحات واعتمادها كوحدة تشرح ما سبقها من أحداث وتمهد لما سيقع لاحقا سيبين ان الحركتين تراهنان على رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الصراع الدائر بينه وبين القصر/نداء تونس، وان الحركتين اختارتا القطيعة النهائية مع حركة نداء تونس وان بشكل غير رسمي.
قطع استوجب البحث عن تقارب بينهما، وهذا كشفته التصريحات، التي قد تكون تمهيدا لما سيحمله التحوير الوزاري القادم من تطورات، ولكن لا تقف عند هذا الحد، فالمشروع هنا اختار ان يكون جزءا من بناء سياسي جديد، سيكون الشاهد احد ركائزه، وهذا يعني ضرورة انقاذ رئيس الحكومة وهو ما يتطلب عملا مشتركا مع النهضة، ليس في ملف الحكومة فقط بل في الملفات القادمة، وهذا يستوجب إعادة تقييم لموقف المشروع من النهضة.
إعادة تقييم لا تهدف الى تبرير الخيار الراهن، بل تهدف لوضع أسس العلاقة بين الحركتين في السنوات العشر القادمة، فمشروع تونس وفق رئيسه في حوار سابق، يريد للبناء السياسي الجديد ان يكون للسنوات العشر القادمة وهذا يستوجب وضع إستراتيجية حكم يدرك المشروع انه لن يكون دون وجود حركة النهضة.
لهذا فهو يرغب في تحديد اطر هذا الوجود ونوعه، فالعداوة ان استمرت بين حركته والنهضة ستكون عقبة تحول دون تحقيق هذا، لكن الغاءها بشكل كلي بدورها ستكون قاتلة للحركة، فكان الخيار على ان يظل التنافس السياسي والانتخابي دون غلق ابواب التوافق ما بعد الانتخابات.
والتوافق وفق مرزوق ليس «اتفاقا» غير محدد الأهداف والشروط بين شخصين، بل هو نقاشات تنتهى الى صياغة برنامج مشترك، محدد المجالات والأهداف.