منذ تأسيسها تعد على أصابع اليد الواحدة حتى بإضافة موقفها الأخير من مبادرة المساواة في الميراث بين الجنسين، فالحركة التي لم تعرف مؤسساتها في تاريخها القريب أي إجماع لاعضائها على قراءة وموقف واحد أجمعت نهاية الأسبوع الفارط على رفض المساواة في الميراث.
حمل البيان الختامي لأشغال الدورة 21 لمجلس شورى حركة النهضة الكثير من المعطيات الهامة، اختزلت في جملة من النقاط، الاولى التمسّك بخيار التوافق لتجاوز كل صعوبات هذه المرحلة والتأكيد على ضرورة العمل المشترك مع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية لتجاوز الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ تعليق العمل باتفاقية قرطاج 2.
النقطة الثانية تعلقت بانشغال مجلس شورى النهضة «الكبير بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها المباشرة على المقدرة الشرائية للمواطن» وهذه توطئة لدعوة الحكومة إلى تنفيذ الإصلاحات مع الإشارة في النقطة الموالية الى حاجة البلاد إلى حكومة مستقرة ومنصرفة كليا إلى تجسيم الإصلاحات والتصدي للتحديات وتهيئة البلاد لانتخابات 2019 دون أن يكون أعضاؤها معنيين بالترشح وذلك ضمانا لنجاحها في مهامها. هذه النقطة عبرت عنها الحركة في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الستة الفارطة.
لكن تظل أهم نقاط البيان هي نقطته السادسة التي جاء فيها حرفيا «التزام الحركة بتطوير حقوق المرأة والرفع من منزلتها في القانون والواقع، والتمسك بقيم العدل والإنصاف.وقرر مجلس الشورى التمسك بنظام المواريث كما ورد في النصوص القطعية في القرآن والسنة، وعبرت عنه مجلة الأحوال الشخصية.ويؤكد أنّ مبادرة المساواة في الإرث فضلا عن تعارضها مع قطعيات الدين ونصوص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية فهي تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية ونمط المجتمع. ويدعم المجلس كل مسعى لتطوير المجلة، بما يسهم في ضمان حقوق المرأة، وبما لا يتعارض مع النصوص القطعية في الدين ونصوص الدستور».
موقف اتخذ باغلبية هامة في مجلس شورى الحركة وفق ما يبدو، حيث يشير القيادي بالحركة عبد الحميد الجلاصي الى ان مجريات النقاش صلب اشغال مجلس الشورى، تؤكد أنّ الدورة الـ21 لم تكن كسابقاتها «قوية من حيث النقاشات»، باعتبار ان الخلافات في المواقف منعدمة تقريبا، فجل المؤثرين في الحركة لهم موقف موحد وان اختلفت اسبابهم.
امر لا ينفيه القيادي بالحركة الذي شدد لـ«المغرب» ان التباين في المواقف بشان القضايا السياسية او الفكرية كان «صغير» وان الخلاف ظهر فقط في «الصياغة» وليس الموقف، في إشارة الى موقف النهضة من الحكومة، التوافق المساواة.
فجل أعضاء الحركة التقوا على موقف واحد، خاصة ان تعلق الامر بالمساواة في الميراث، وان كان لكل منهم دافعه، فهناك من يرفض المساواة من منطلق عقائدي، ويعتبر ان الآيات واضحة بشان الميراث ولا يمكن الاجتهاد او التأويل.الأخر ينطلق من معطى حزبي يتمثل في محاولة وضع النهضة في الزاوية ومحاصرتها والثالث غير بعيد عن الثاني ينطلق من واقع وحيد وأساسي اقتراب موعد الانتخابات.
اختلاف الدوافع لرفض المبادرة الرئاسية يقترن بقول عبد الحميد الجلاصي ان طريقة طرح الموضوع هي التي فرضت هذه الدوافع، فرئاسة الجمهورية ولجنة المساواة والحريات الفردية افتقدوا للمنهجية والبيداغوجية في طرح المسالة ومناقشتها.
اعتبار عبد الحميد الجلاصي ان كيفية طرح مسالة الميراث هي التي حددت الموقف يشترك فيه مع قياديين آخرين، من بينهم عضو بمجلس شورى الحركة طلب عدم كشف هويته، اكد على ان الحركة وان كانت تدعم المساواة بين الجنسين فانه ترفض الامر ان تعلق بالميراث لأسباب أبرزها «عقائدي» وهو ما عبر عنه «شيخها» راشد الغنوشي في اشغال الدورة، حيث قدم الغنوشي موقفه القائل بان النص القرآني صريح في حكم المواريث.
صراحة النص تتمثل في ان الاية فصلت كل حالة بمفردها وبقيمة الميراث، وهذا يعني ان الحكم الشرعي حجب أي اجتهاد او تاويل، موقف يبدو ان الغنوشي عبر عنه بشكل صريح لرئيس الجمهورية في رسالته التي وجهها له قبل طرح المبادرة رسميا، وهو ما اعلنه المصدر السابق.
«الشيخ» وحركته من خلفها، حتى القيادات التي اتسمت بالوسطية، اتخذت موقفا رافضا لمبادرة الرئيس الداعية لاقرار المساواة في الميراث بين الجنسين، فان اعتبر الغنوشي ان «الشرع الإسلامي لا يترك هامشا للاجتهاد في الميراث» واعتبر غيره ان الاستحقاق الانتخابي يفرض عدم التصادم مع قناعات الشعب، حتى في الأوساط التقدمية، فان الطرف الاخر يرفض مع التلميح الى انه كان سيتخذ موقفا آخر إن طرح الامر في غير هذا الوقت والصيغة.
لكن في النهاية النوايا لا تزن كثيرا في السياسة انما المواقف المعلنة والرسمية، ويبدو ان الحركة اختارت موقفها بعناية بهدف تحقيق عدد من النقاط ابرزها «انتخابي».