وحركة النهضة التي اختارت ان تلعب «نقلتها»، وهي تقديم البيادق الى منتصف الرقعة، لتفتح المجال «لقطعها» القوية للتحرك والانتشار لضمان قدرة على الهجوم والدفاع، بعد ان قدم الاتحاد قطعه ليسيطر على الرقعة، بنقلة استهدفت حكومة الشاهد، التي باتت النهضة تدفع لحمايتها، لكن ليس إلى الابد بل الى حين توفر المقابل الجيد للتضحية بها.
المشهد العام في تونس لا يمكن اختزاله في أزمة بين الاتحاد والحكومة، فالمشهد تؤثثه مجموعة أزمات متنافرة ومتناقضة شكل المشهد العام الحالي، الذي بات عدد اللاعبين الرئيسين فيه محدودا ويتناقص يوما عن يوم، ليفرز حقيقة على الارض مفادها ان المواجهة الفعلية اليوم بين طرفين، اتحاد الشغل وبدعم من اتحاد الأعراف، مقابل حركة النهضة التي تجد نفسها وحيدة، فحليفها السابق نداء تونس، فقد القدرة على مجاراة نسق الأزمات، فيما رئاسة الجمهورية ناءت بنفسها.
العنوان الرئيسي لهذه المواجهة بين الحركة والنقابة، هو «مصير الحكومة» الذي يتفرع الى عناوين فرعية متعددة تتجاوز مسألة الوقت والكيفية، لتبلغ نقطة مصير الحركة وأفق عملها في ظل تغيرات المشهد، الذي تسعى الحركة الى الحؤول دونه على الاقل في هذا التوقيت، وهو ما عبر عنه بيانها الصادر اول امس، في النقطتين الثالثة والسادسة.
في النقطتين عبر المكتب التنفيذي بشكل جلي عن «ضرورة التزام جميع الأطراف باستقرار العمل الحكومي والنأي به عن كل ما من شأنه تعطيل دواليب الدولة أو التشويش على المفاوضات الجارية مع المؤسسات المالية الدولية» في تلميح مباشر الى التصريحات الصادرة عن اتحاد الشغل الذي اعتبر فيها حكومة الشاهد باتت حكومة تصريف اعمال من الناحية السياسية.
التصدي للاتحاد الشغل لا يقتصر على النقطة الثالثة ففي النقطة السادسة منه تشدد الحركة بشكل مباشر على مسألة «الالتزام بنتائج انتخابات 2014 أساسا للحكم حتى قيام انتخابات أخرى وتعزيزها بحوار وطني بناء يحافظ على عرى الوحدة الوطنية» بعد ان خصصت النقطة الخامسة من بيانها لتجديد الدعوة الى تهيئة مناخ ايجابي للانتخابات البلدية.
بيان النهضة الذي مثل نقلتها على رقعة الأزمة، حمل عدة رسائل معلنة ومبطنة، فالحركة تعتبر ان دعوة الاتحاد الى تغيير حكومي، يشمل وزراءها جميعا، هي حركة هجومية ضدها من قبل منظمة الشغالين، رغم نفي عضو المكتب السياسي للحركة سامي الطريقي الذي يشدد على ان حركته لا تنظر للاوضاع بهذا الشكل.
الحركة وفق القيادي صلبها، وهو عضو بمجلس الشورى، تعتبر ان الجميع متفق على ان استقرار الدولة هو عامل مهم لإنجاح الانتقال وتشجيع الاستثمار وضمان التنمية، لكن تختلف في رؤيتها لماهية الاستقرار، وهذا ما أشارت اليه الحركة في بيانها، من باب التذكير كما يعلن القيادي.
التذكير شمل ايضا انتخابات 2014 ونتائجها التي اكد الطريقي ما ورد في البيان من دعوة لعدم إرباك نتائجها، احتراما لصوت الناخب، كما يشمل ايضا تذكيرا بان الازمة ليست ازمة حكم واشخاص بل غياب خارطة طريق، وهذه الخارطة توضع بالحوار والاستماع .
القيادي بالحركة ذهب في تصريحه الى مربط الفرس، لينفي ان تكون حركته تشعر بانها مستهدفة بتحركات الاتحاد الاخيرة، او من تحركات اي طرف سياسي اخر، فبالنسبة لها الجميع اتفق وعبرت بذلك بكل وضوح «انه لا مساس من الانتخابات».
هنا يكشف الطريقي بشكل مباشر عن اكبر مخاوف حركة النهضة، وهو المساس من المسار الانتخابي، وطالما لم يقع هذا فلا مخاوف للحركة، حتى وان كانت اصوات صلبها ترتفع لتعلن خشيتها من عودة الرغبة لاستئصالها.
الطريقي يقول بوجود هذه الاصوات وهذه الخشية لكنه يقلل من تداعيتها على القرار السياسي للحركة وفعلها، الذي لا ينطلق من «شعور بالاستهداف» وفق الطريقي الذي شدد انهم كانوا في الحكم بوزير ومستعدون ان يعودوا إلى التمثيل بوزير.
استعداد الحركة ان تنخفض تمثيليتها في الحكومة بوزير مقابل رفض المس من المسار الانتخابي، ينبع من خوف الحركة من ان تنقلب عليها المعادلة السياسية قبل ان تعزز تجذرها في المشهد عبر الانتخابات البلدية، التي تراهن الحركة عليها في مستويين، الاول ما سبق والثاني هو تعزيز خيار التوافق، فهذا الاخير هو حبل نجاتها من وجهة نظرها.
لهذا اختارت الحركة ان تباشر نقلتها بحركتين، الاولى بيان متضمن لجملة من الرسائل موجهة الى اتحاد الشغل، والثانية لقاء رئيسها راشد الغنوشي بالامين العام نور الدين الطبوبي في محاولة لوقف التوتر بين الطرفين، فالنهضة تنظر الى الاتحاد على انه القوة الوحيدة المعادلة لها او تفوقها.