انطلقوا فعليا بشكل غير رسمي في حملاتهم الانتخابية، كقائمات او كيانات سياسية، شرعت في ترسم ملامح حملتها وأدوات تجيش الناخبين خلفها، وهذا أمر مرشح للتغير بحلول الآجال الرسمية للحملة.
منذ إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمات المقبولة مبدئيا لخوض الاستحقاق البلدي شرعت الأحزاب والائتلافات والمستقلون في كشف ملامح خطابهم الانتخابي وأوراقهم الرابحة كما يراهنون، ويبدو ان جميعها تلتقي في نقاط محددة، تقديم النفس كمخلص من «الاخر» والاخر يتسع ليشمل الجميع.
اول من قدم ماهية الاخر وخطره، كانت حركة نداء تونس، التي شرعت منذ اكثر من شهرين في استحضار خطاب «الاصطفاف» فاما معها وهذا معناه مع الدولة الحديثة المدنية او ضدها وهذا معناه مع الاسلام السياسي.
خطاب تصاعد اكثر بعد الاعلان عن غلق باب الترشحات واتضاح ان التنافس بينها وبين النهضة بالاساس، ليصبح التلميح تصريحا وترتفع اصوات قادة نداء تونس لتعلن ان الخطر على تونس يتمثل في فوز حركة النهضة بالانتخابات البلدية، ويصبح هذا احد ابرز اوراق الندائيين في الترويج لقائماتهم.
خطة النداء تقوم على ثنائية ان الحركتين هما الفصيلان السياسيان الاكثر استعدادا للانتخابات، اما البقية فان استعدادهم اقل وأي تصويت لصالحهم هو تشتيت للاصوات ، وهذا يقصي بقية المنافسين من امام وجه النداء ليكون في تنافس مباشر مع النهضة وتكون حملته القائمة على «التصدي لخطر الاسلام السياسي» ذات معنى.
استراتيجية النداء لن تقتصر على التصدي للخطر فهذا محدود على المستوى الوطني اما المحليات فان الامر مختلف اكثر، لذلك اختارت ان تعزز استراتيجيتها الانتخابية بخطاب «محلي» يعد بحل المشاكل اليومية ويقدم لها تصورا.
النداء وهو ثاني الاحزاب تقدما لخوض الاستحقاق الانتخابي يبني حملته على معاداة النهضة التي اختارت خطابا اقل حدة وتركت الحملة تتجه في مسار مغاير تماما، فهي وبعد اطمئنانها الى ان مشروع مجلة الحريات الفردية والمساواة اجّل الى ما بعد الانتخابات البلدية، اختارت ان تترك للمحليات هامشا للتحرك.
هذا الهامش مرتبط بخطوط عريضة تعلن الحركة أنها لا تشمل إحياء الاستقطاب الثنائي ولا تجديد صراع الهوية، بل تريد الحركة ان تتجنب هذا كي لا تخدم بطريقة غير مباشرة خصمها وحليفها النداء.
مقابل هاتين الإستراتيجيتين يتخذ الاتحاد المدني والجبهة الشعبية إستراتيجية تتقاطع في نقطة وحيدة، تقوم على نقيض» النداء/النهضة» واعتبار كليهما بذات درجة الخطر ويجب ان يحل مكانهما بديل، والبديل هو الاتحاد لأهله او الجبهة لأنصارها، لكن كلاهما في تنافس أيضا وان كان لا يقع ذلك في جل الدوائر البلدية بشكل مباشر.
مثلهما يحل كل من التيار الديمقراطي وحراك تونس الإرادة، فكلاهما يعلن انه من أحزاب الثورة ويعمل على استعادة نسقها والتصدي لعودة النظام القديم، كما سيقع استغلال أخطاء الفريق الحاكم خلال السنوات الثلاث.
إستراتيجية الأحزاب مختلفة عمّا يعده المستقلون، وإن لم تتضح بعد ملامح خطابهم، ولا عناصر حملتهم التي يبدو انها لن تخلو من استغلال عنصر «القرب» وتوظيف معرفتهم بالمحليات لصالحهم.