أسئلة تبحث عن أجوبة بعد مرور خمس سنوات عن اغتيال المعارض اليساري الذي دفع مع «رفيقه» في الجبهة محمد البراهمي، ثمن «تواصل الانتقال الديمقراطي» وتغيير المعادلة السياسية.
يتزامن تاريخ اليوم 6 فيفري 2018 مع الذكرى الخامسة لاغتيال شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد واحد مؤسسي الجبهة الشعبية، سنوات خمس مرت لتتجاوز عدد الرصاصات التي أردته قتيلا أمام بيته وأعلنت عن بداية تشكيل خارطة سياسية جديدة في تونس.
دم شكري بلعيد ومعه دم محمد البراهمي- اللذان لم يدخرا جهدا خلال السنوات الثلاث لحكم الترويكا لتغيير المعادلة السياسية – كان ثمنا دفعه كلاهما لتجنيب تونس سيناريوهات عدة، ومهدا الطريق لنجاح عملية انتقال السلطة من النهضة وحلفائها الى حكومة تكنوقراط ومنها الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2014.
قبل الخوض في ما حدث بعيد اغتيال الرجلين، وجب التذكير بما سبق سنة 2013 من أزمات طاحنة، فمع تشكيل الأحزاب الثلاثة، النهضة المؤتمر والتكتل، لتحالفهم الذي اصطلح عليه بـ«الترويكا»، دخلت الدولة برمتها في أزمات متتالية ومواجهات بين أنصار الفريق الحاكم والمعارضة.
في ظل هذا المناخ المتوتر تحركت روابط حماية الثورة، لتمارس العنف تحت أنظار أجهزة الأمن ضد المحتجين وتهديدهم، ففي سنة 2012 تجاوز رقم الاعتداءات على معارضين ومثقفين وغيرهم عتبة 200 اعتداء بالعنف، بعضها كان مؤشرا عن المنزلق الذي تتجه إليه البلاد، اعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، اعتداء على مقر التلفزة الوطنية، اعتداءات 9 افريل 2012 على محتجين وغيرها من الاعتداءات التي ندد بها بلعيد ورفاقه كما بقية المعارضة التونسية.
معارضة حذرت من تنامي العنف في الساحة التونسية واعتماده كمنهج لإسكات الخصوم والمعارضين، قبل ان يتطور في أواخر 2012 وتأتي أحداث السفارة الأمريكية، وليس العنف فقط ما اتسمت به تلك الفترة، بل التجاذب السياسي ومحاولات صياغة دستور انطلاقا من مقاربة وحيدة والاصطفاف الذي انتهجته الدبلوماسية التونسية في أزمات إقليمية.
العودة لجرد أحداث ثلاث سنوات امتدت من 2011 إلى غاية 2014، تاريخ استقالة حكومة علي العريض، لا يجب أن يسقط منه محاولات تشكيل جبهات سياسية، جلها فشل مع اقتراب موعد الانتخابات في 2014، وبات أصدقاء الأمس أعداء في ظلّ توازنات سياسية جديدة.
حيث تغيرت المواقع كثيرا بين الحلفاء في إطار جبهة الإنقاذ، التي جمعت بين القوى الديمقراطية الوسطية وأطياف من اليسار التونسي، ضمن برنامج عمل تضمن أساسا نقطة وحيدة وهو دفع الترويكا إلى مغادرة الحكم والإعلان عن تاريخ للانتخابات. ضغط التقفه الرباعي الراعي للحوار الوطني- اتحاد الشغل، منظمة الأعراف، عمادة المحامين ورابطة حقوق الإنسان- لإطلاق مبادرة الحوار الوطني التي انتهت إلى تشكيل حكومة المهدي جمعة والمصادقة على دستور بعد جملة من التعديلات على نسخته الأولى.
مهمة أنجزت وسرعت بانفكاك عقد جبهة الإنقاذ، وإثرها عقد الاتحاد من اجل تونس، وبرزت حركة نداء تونس كقوة سياسية توازن حركة النهضة وتناقضها، وهي الصورة التي ذهب بها نداء تونس الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2014 وحقق بها الفوز في كلتيهما قبل ان يعلن عن «مشاركته الحكم» مع حركة النهضة وحزبي آفاق والوطني الحر.
سنة بعدها انفرط عقد النداء وتفكك الحزب الاول وعاد انخرام المشهد، ليس في علاقة بحركة النهضة وانما في قوة سياسية وسطية تمثل ملجأ قاعدة انتخابية هامة، هذه القوة مثلها النداء قبل ان يؤدي الصراع بين حافظ قائد السبسي نجل مؤسسه الباجي قائد السبسي وخصومه الى انقسام الحزب وكتلته مما رفع من نسق التقارب بين النداء والنهضة، وعمق عزلة النداء عن الروافد اليسارية والنقابية التي بات في صراع معلن معها وخاصة مع الجبهة الشعبية.
خسارة النداء كانت محجوبة على أصحابه الى حين الانتخابات الجزئية بألمانيا التي خسرها الحزب بعد ان حصد مرشحه حوالي 250 صوتا، وفاز بها ياسين العياري، هذا المشهد الراهن شبيه في ما خلف سطوره بالمشهد العام لتونس قبل اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
فالمشهدان يلتقيان في عدة نقاط، حكومة غير قادرة على مغادرة منطقة الخطر، ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية، احتقان الساحة النقابية، اختلال التوازن بين القوى السياسية وغياب بديل يقنع التونسيين.