فبعد اكثر من سنة من تجنب الصدامات اختارت نقابة الصحفيين وجمعية مديري الصحف ان تعلنا صراحة أنّ الوضع العام لحرية التعبير في خطر، وممارسات السلطة ومن يمثلها تعكس البحث عن «التطويع»، ولم يكن الخلاف مع الداخلية الا فصلا في المواجهة الجديدة.
تتسارع وتيرة الازمة بين النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ووزارة الداخلية، لتبلغ نقطة اعلان نقيب الصحفيين ناجي البغوري ان «مليشيات امنية» هددت باغتصاب الصحفيين وشهرت بهم، وهو تعليق النقيب على تدوينات نشرها كاتبان عامان جهويان لنقابات أمنية، ثلبت وحرضت على الصحفيين. وهو مادفع بالمكتب التنفيذي للنقابة الى الاجتماع لتدارس «وضع حرية الصحافة ... في ظل الحملة التي تشن على الصحفيين من قبل الأجهزة الرسمية وحملات الثلب والتشويه والتهديد على شبكات التواصل الاجتماعي من طرف أمنيين في إفلات تام من المحاسبة والعقاب» كما جاء في البلاغ الذي اعلن مقاطعة أنشطة وزارة الداخلية والنقابات الأمنية.
هذا التحريض من قبل الامنيين جاء اثر بروز خلاف بين النقابة والوزارة على خلفية «اعتداء اعوان امن بالزي على صحفي اثناء تغطية تظاهرة (سيبني) يوم السبت الفارط، قبل ان يتطور الخلاف من سوء فهم الى ازمة بعد مداخلة وزير الداخلية لطفي براهم في مجلس نواب الشعب، ولاحقا دخول الامنيين في الأزمة والتحريض على الصحفيين والتشهير بهم.
كرة الثلج التي تدحرجت خلال الأيام الخمسة الأخيرة، ليست إلا تفصيلا صغيرا في الخلاف الأساسي بين ممثلي قطاع الإعلام والسلطات الرسمية، خلافات جوهرية عبرت عنها النقابة في رسالتها الى الرئاسات الثلاث بعد ان سبق واعلنت عن تنظيم يوم غضب غدا ومواصلة التشاور مع شركائه في المهنة لبحث مختلف الأشكال الاحتجاجية القادمة.
اول الخلافات الجوهرية التي تعبر عنها نقابة الصحفيين وجمعية مديري الصحف هي «السياسة الممنجهة لاستهداف حرية التعبير والصحفيين» الذين يتعرضون لتهديدات بغية إخضاعهم وتكميم أفواههم، وذلك مباشرة إثر تصريحات رئيس الدولة في 13 جانفي 2018 ضد مراسلي الصحافة الدولية.
سياسة معادية لحرية الصحافة
تعتبر النقابة ان تزامنها مع دعوات من مسؤولين في الدولة لإعادة إحياء جهاز “وكالة الاتصال الخارجي” مؤشر على الخطر الذي يهدد الصحافة في تونس وبحث السلطات عن العودة الى ما قبل 2011 عبر جملة من القوانين الزجرية على غرار مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح. او قوانين تهدم مسار الاصلاح في القطاع على غرار مشروع القانون الأساسي لإحداث هيئة الاتصال السمعي البصري الذي تعتبر النقابة انه «لا يتماشى ومسار إصلاح الإعلام والمعايير الدولية لحرية الصحافة».
اضافة الى عدد من المؤشرات الأخرى التي تتفق النقابة وجمعية مديري الصحف على أنها «سياسة دولة في محاولة لإعادة القبضة على الإعلام، ونسف أهم مكتسبات الثورة التونسية التي أرست انتقالا ديموقراطيا « بات مهددا وفق ممثلين للقطاع. مما يستوجب تحركات احتجاجية على غرار الاضراب.
إضراب عام يتفق الطيب الزهار، رئيس الجامعة التونسية لمديرى الصحف، مع النقابة على انه احد أدوات التصدي لمحاولات «تركيع الإعلام» وتذكير الحكومة بتعهداتها السابقة، التي يعتبر ان التنصل منها اقترن بارتفاع منسوب الخوف من تراجع حرية التعبير في تونس.
الزهار والبغوري، وهما يمثلان هيكلين في القطاع، كشفا ان الأزمة مع وزارة الداخلية ليست الا «نقطة» وان الأزمة اشمل اذ تتعلق بالوضع العام للقطاع والمخاطر التي يواجهها في ظل ما يصفانه بالسياسة الممنهجة، سياسة لم يتسن اخذ موقف الحكومة من صحتها، حيث تعذر الحصول على موقف رسمي من الناطق الرسمي باسمها إياد الدهماني رغم المحاولات.
في المقابل تعلن الداخلية على لسان المتحدث باسمها خليفة الشيباني أنها لا تعتبر نفسها في مرحلة الأزمة مع القطاع ولا مع نقابة الصحفيين، بل هي تفتح يديها للتعاون معها وتجاوز اي سوء فهم بالحوار، كما كان يحدث سابقا بالاتصالات الدورية أو في التقارير الشهرية الثنائية.
سوء الفهم الحالي وفق الشيباني مرده سوء فهم حدث في اتصال من النقابة لمعالجة ملف اعتداء على صحفي يوم السبت الفارط، وان هذا الاعتداء لم يشمل افتكاك ادوات العمل لتتدخل الوزارة بشكل فوري انما هي مضايقة كان يمكن مناقشتها في اطار التقرير الشهري.
رواية الشيباني تتضمن تاكيدا على ان وزارته تقر بوجود اخطاء ونواقص يعمل على اصلاحها، وان الاعتداءات او المضايقات على الصحفيين ليست بالسياسة الممنهجة وانما اخطاء فردية لم تتجاوز الـ5 كان يمكن معالجتها.
ليضيف ان الوزارة والوزير لا يعادون الصحافة والاعلام وان سوء فهم كلمته في مجلس النواب بخصوص «رصد اتصال بين صحفي ومحتجين» انتج جديثا عن «التصنت» وهو ما نفاه بشدة قائلا ان هناك ضوابط قانونية تتحكم في عملية التصنت ومنها اذن قضائي، ليشرح ما قصده الوزير بانه رصد لاتصال مباشر تم اثناء تواجد سيارة على ملك الصحفي وسط تجمع للمحتجين.
الشيباني ردد كثيرا في تصريحه لـ«المغرب» جملة «لا يمكن جعل حالات فردية سياسة ممنهجة» مشددا ان وزارته لا تعمل «لعودة القمع»، هذا دون ان يغفل عن التطرق لدعوات التحريض التي أطلقها أمنيون ليقول انها «ضد التدني الأخلاقي في الخطاب» ولا تقبل التحريض لكنها أيضا لا تستطيع إحالة الامنيين على ادارتها المختصة لانهم حرضوا كنقابيين وليس كأمنيين، ليشير الى انه في هذه الحالة يقع التوجه للقضاء.
الازمة اليوم بين الاعلام والسلطات نتجت عن تراكمات خلال سنة ونصف، اتهمت فيها الاوضاع بهدنة نسبية بين الطرفين، لكن التنصل من الوعود مع تسجيل مؤشرات خطر جعل الازمة تندلع اليوم وهي مرشحة للتصعيد بعد توجه النقابة الى الهياكل الدولية للتظلم.