تعزيزات أمنية وفضّ للتجمعات والاعتصامات بالقوة العامة هي الحلول التي تلجأ اليها حكومة الحبيب الصيد في معالجة اغلب التحركات الاجتماعية التي شهدتها البلاد منذ جانفي 2015.
واليوم تعيش جزيرة قرقنة على وقع احتقان اجتماعي، عبّر عن نفسه بالاحتجاجات والمسيرات المنددة بالحكومة ومطالبة بالتشغيل قبل ان تتطور الأوضاع لتصل حد أعمال عنف واشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن ، ليستعمل كلّ منهما ما توفر لديه من وسائل عنف.
مخلفات الاشتباكات بين المحتجين والأمن تتجلى بوضوح شديد في الجزيرة التي لا تتجاوز مساحتها 160 كلم مربع - ما يعادل ثلاث مرات مساحة حي التضامن والانطلاقة ودوار هيشر- استقبلت خلال اليومين الفارطين تعزيزات أمنية ترفض وزارة الداخلية تحديد عددها. ذات الأمر يتكرر مع وزارة الدفاع التي أرسلت تعزيزات، واستمرت في إرسالها إلى غاية الساعة 2 زوالا من يوم أمس.
ذات اليوم الذي اعلن فيه عن دخول كلّ المؤسسات العمومية والمنشآت الاقتصادية الخاصة في اضراب عام، احتجاجا على المعالجة الامنية للاحتجاجات، وهي معالجة وصفها الهادي بن جمعة الكاتب العام للاتحاد العام الجهوي للشغل بصفاقس بـ”التعنت الحكومي” والتصعيد في حالة الاحتقان.
فوفق رواية النقابيين للأزمة في الجزيرة، التي تعد ابرز معاقل العمل النقابي في تونس منذ تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، اعتصام العاطلين عن العمل منذ بداية سنة 2016 يعطّل أنشطة شركة بيتروفاك، التي أحالت العاملين بها على البطالة التقنية منذ 22 فيفري الفارط.
وبمرور 75 يوما أعلنت الشركة عن حجم خسائرها وطالبت الحكومة بتطبيق القانون، وهذا ما استندت اليه حكومة الصيد لمعالجة الامر بطريقتها، وهي الحل الأمني حيث قامت قوات الامن في الاسبوع الفارط بفض الاعتصام بالقوة.
هذا الاعتصام نفذه في مقر الشركة عاطلون عن العمل وعمال وفق آلية الحضائر، وهو الاعتصام الثاني بعد ان فضوا الاول في وقت سابق بعد تقديم الحكومة وعودا بحل أزمة توقف شركة بيتروفاك عن صرف الرواتب وتخليها عن ذلك لشبهة تلاعب في قائمات المنتفعين بدعم الشركة.
هذه الازمة التي انطلقت منذ بداية السنة بلغت اليوم حدّا جعل من الحكومة غير قادرة على معالجته بطريقة مثلى، فهي ووفق تأكيدات المحتجين والاتحاد الجهوي للشغل، لم تفتح باب التفاوض مع المعتصمين ورفضت مناقشة المطالب.
هذا الرفض الذي اعتبره المحتجون وفق تصريح الهادي بن جمعة لـ«المغرب» استهتارا باهالي الجزيرة وتجاهلا لهم، وهو ما دفعهم الى تنظيم العديد من الاحتجاجات التي يقولون ان قوات الأمن قابلتها “بتجاوزت خطيرة”.
وهو ما تنفيه وزارة الداخلية بالتمسّك بان القوات الأمنية تحوّلت إلى مقر الشركة من أجل «فك الاعتصام وتمكين العمال بها من العودة إلى عملهم ضمانًا لمبدإ حريّة الشغل»، وأن قوات الأمن تجنبت استعمال القوة الى ان تعمد حوالي مئة شخص البدء بها واستهداف الامنيين.
تصعيد السلطات يقابله تصعيد من الأهالي الذين يطالبون باطلاق سراح اربعة موقوفين في اليوم الاول للاحتجاجات، التي تواصلت للأسبوع الثاني وبلغت حد الإعلان عن الإضراب العام، ليخيّم التوتر على الجزيرة في انتظار ما سيؤول اليه الأوضاع في ظلّ تباين الانباء عن الوصول الى اتفاق بإلغاء الاضراب مقابل الإفراج عن الموقوفين.
اذ يبدو ان حكومة الحبيب الصيد وضعت نفسها والمحتجين في موقع سيئ، فالاثنان لا يمكنهما اليوم التراجع بخطوة الى الخلف. حكومة الصيد التي سارعت بفرض “هيبتها” وإبراز ان للدولة جانبا يهاب وقانونا يطبّق اطنبت في استعمال حق تأخرت عنه لثلاثة اشهر.
وهي المدة التي كانت كافية لتعفن الوضع العام في الجزيرة التي تعيش شبه عزلة عن الدولة التي اعلنت عن وجودها باستعمال القوة، وجعلت من نفسها أسيرة خيارات محدّدة. الاستمرار في التصعيد وفرض القانون بالقوة او التراجع والرضوخ لكل المطالب وفي الخيارين هلاكها.
فهي ان استمرت بالتصعيد سيقابلها تصعيد من قبل المحتجين الذين سيدفعون بالاتحاد الجهوي للشغل لالتحاق بهم عوضا عن الاكتفاء بدعم مطالبهم، والأشد خطرا على الحكومة هو انتقال الاحتجاجات إلى خارج الجزيرة كما حدث في جانفي الفارط.
وهي وان قبلت بتنفيذ كلّ المطالب ستكون كمن يحرّض الشارع ضدّها بالقول ان تحقيق المطالب لا يتمّ الا بالاحتجاجات والتصعيد.
في ازمة جزيرة قرقنة توحي المؤشرات الأولى بان حكومة الحبيب الصيد كرّرت ذات الأخطاء في معالجة الاحتجاجات الاجتماعية، تجاهل في بدايتها وترك الأزمة لتتفاقم دون محاولات لايجاد مخارج منها وحلول معقولة لها. وتدخّل في وقت متأخر باستعمال الحل الأمني لم يكن سوى عامل إضافي للتصعيد.