التي اختارت ان تقدم الاحداث بطريقة جديدة، من في الحكم هم ضحايا مؤامرة يقودها «فاسدون» اختاروا ولاية سليانة لتنفيذ مخطط مسبق يهدف الى إسقاط الحكومة التي وجدت نفسها عبر الاجهزة الامنية مجبرة على استعمال «الرش» لتجنب استعمال الرصاص الحي.
جلسة الاستماع العلنية الاخيرة التي خصصتها هيئة الحقيقة والكرامة لأحداث الرش بسليانة اعادت صياغة تفاصيل يوم 27 نوفمبر 2012 بشكل جديد كليا، لا ينتصر فيه للحقيقة ومعرفة ما تم وإنصاف العشرات من الضحايا بقدر ما يحرص على تبييض من كان ماسكا للسلطة يومها وتبرئته.
التعامل مع حدث تم منذ خمس سنوات اي جديد نسبيا بمنطق التاريخ، بمنطق فسخ وإعادة صياغته لا لتبرئة الماسكين بمقاليد السلطة وأساسا حركة النهضة بل ولتحميل المسؤولية للمحتجين وان بتلاعب بالكلمات عبر القول بشرعية الاحتجاج كمبدأ عام لكن التلميح الى ان التحركات مشبوهة يقودها لوبي فاسد تضرر من ضرب مصالحه.
الحرب على الفساد اقلقت البعض فاستهدفوا الوالي ومن خلفه الحكومة هي الحجة التي ساقها الثلاثي، حمادي الجبالي رئيس الحكومة حينها، علي العريض وزير الداخلية حينها واخيرا احمد الزين محجوبي والي سليانة حينها ايضا.
هذا الثلوث قدم قراءة مختلفة للأحداث، وحرص فيها كل واحد منهم على أمرين انه بريء لم يرتكب اي خطأ وان ما تم سببه الحرب على الفساد التي شنتها حكومة الترويكا وأقلقت جماعة الثورة المضادة الذين أشار المتحدث الى تحالفهم مع الاتحاد الجهوي للشغل بسليانة.
تلميحات وتصريحات جعلت الضحايا مجموعة من المارقين الباحثين عن تحقيق اجندات خفية تستهدف الثورة ومن يمثلها وهي حكومة الترويكا، التي يقول الجبالي ان معارضيها وعلى عكس ما يبدو كانوا يعملون على توريطها اكثر في الحكم لإضعافها.
تورط المعارضة واستخدام اعذار شرعية وحق دستوري وهو الاحتجاج لإسقاط الحكومة هي الخطة التي يشير الجبالي كما وزير الداخلية والوالي الى انها السبب الفعلي لاحداث الرش الذي يتفق ثلاثتهم على ان استعماله كان ضروريا من قبل قوات الامن التي وجدت نفسها في مواجهة مجموعات عنيفة تستهدفها كما تستهدف منشآت الدولة بل وحياة رجالها على غرار حياة الوالي الذي قال الجبالي انه كان مهددا بشكل جدي. تجاوز القانون واستعمال الرش الذي يعتبر سلاحا محظورا يبرر بتعلة ان استعمال الرش افضل من استعمال الرصاص الحي.
هذه المهزلة تمت في جلسة الاستماع وجل الشهادات المقدمة من قبل المسؤولين في تلك الفترة وقع تسجيلها ومن ثمة تقديمها في الجلسة العلنية، التي عانت من عدة خروقات ورافقتها عدة انتقادات (انظر مقال نورة الهدار)، تكشف للأسف عن الانحراف الذي اصاب مسار العدالة الانتقالية.
مسار دافع عنه المؤمنون به بهدف تفكيك منظومة القمع والفساد ومحاسبة المتورطين قبل الوصول الى المصالحة والتجاوز، لكنه اليوم بات يوظف سياسيا بطريقة جد فجةّ، فهيئة الحقيقة والكرامة التي يتحمل اعضاؤها مسؤولية اخلاقية وسياسية عن ضياع فرصة كشف الحقيقة لا فقط في ملفات ما بعد الاستقلال 1956 بل في ملفات قريبة في الزمن نسبيا، وقعت في 2012، حيث تعاملت الهيئة بمنطقين منطق الادانة في كل ما يتعلق بأحداث ما قبل 2012 ومنطق التبرير والتبييض لما بعد هذا التاريخ.
ادانة تعلقت بقضايا وملفات خلافية يشترك على الاقل من يؤمن بمسار العدالة الانتقالية ان فتحها امر ضروري وان وقع الاختلاف في طريقة معالجة هذه الملفات وكيفية ادارة الجلسات وما تبحث عنه رئيسة الهيئة سهام بن سدرين بالتحديد، لكن الاختلاف لم يصل الى حد الصدمة في المسار كما حدث في الجلسة الاخيرة.
هذه الجلسة التي لا تبرر فقط لوزراء الترويكا ما حدث من تجاوز بل يمكن سحب ذات المنطق الذي تبنوه وتبنته معهم رئيسة الهيئة على وزراء بقية الفترات من وزراء بورقيبة وبن علي.
فالمنطق الذي روجت له رئيسة الهيئة سهام بن سدرين وعبر عنه بشكل صريح في اختيار الشهادات والأسئلة واختيار الضحايا وعدة جزئيات اخرى- هو ان ما تم من تجاوز واستعمال للعنف واسلحة كان امرا لا مفر منه لحماية الدولة والحكومة من مؤامرة تحوكها جماعة الثورة المضادة، ذات المنطق الذي استخدم في مختلف المراحل المظلمة لتونس الحديثة، حيث بررت السلطة السياسية انتهاكاتها بأنه حماية للبلاد من مؤامرات.
ان المبدأ ثابت لا يتجزأ والقاعدة تطبق على الجميع هذا منطق العدالة ألانتقالية وليس منطق الفرز والاصطفاف ندين نظاما سياسيا لأننا مختلفون معه لكن نبرر لنظام اخر ذات الممارسات لأننا جزء منه او نتقاسم معه تصورات ومصالح كما تم مع هيئة بن سدرين التي للأسف فعلت بنفسها ما لم يفعله اشد اعداء مسار العدالة الانتقالية.