مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح: لا إفراط ولا تفريط ...

«الخوف» هو ما يصم آذان الجميع في تونس عن سماع أصوات بعضهم البعض، مثل ذلك يتجسد في الجدل المحتدم بشأن «قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح»، طرفان

أساسيان مجتمع مدني مقابل نقابات أمنية يقفان اليوم قبالة بعضهما كل يظن انه على طرف نقيض من الآخر، والحال أنهما يلتقيان في جوهر الأمر، وسيدركان ذلك فقط إن استمع كل منهما للآخر.

ثلاث سنوات مرت على بداية الجدل بشأن قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح، مدة كانت كافية لان يبلغ النقاش مرحلة من النضج، لم يبلغها للأسف بعد. رغم ان نقاط الالتقاء بين المتنازعين على القانون عدة، الالتقاء في اعتبار النسخة الحالية تحد من الحريات، العبارات المستخدمة فضفاضة، الهدف الأساسي من القانون وقع الحياد عنه.

هذا المشروع الذي انطلقت صياغته منذ 2013، في فترة تقلد علي العريض منصب وزير الداخلية، حمل الكثير من هواجس الماسكين بزمام السلطة يومها، وجعلهم ينصرفون الى صياغة قانون يحقق لهم «مقايضة» حماية مطلقة تبلغ درجة «الحصانة» مقابل الولاء التام والانصياع الكلي لأوامر السلطة السياسية.

مقايضة تتجلى في الفصل الرابع والخامس من مشروع القانون الذي تطرق لتسريب وثائق أمنية واعتبر ان ذلك بمثابة هتك سر مهني يستوجب عقوبة بالسجن تصل الى 10 سنوات وخطية مالية بقيمة 50 ألف دينار. هذا التشديد على عقوبة تسريب وثائق إلى الإعلام بالأساس كان نتيجة تسريب وثيقة المخابرات الأمريكية المحذرة من اغتيال النائب محمد البراهمي في جويلة 2013.

وثيقة سربت الى الاعلام فأدانت وزير الداخلية حينها ورئيس الحكومة لا حقا علي العريض، الذي يصادف ان صياغة القانون كانت في فترته، وحول الى الحكومات اللاحقة كما هو دون إعادة صياغته مما دفع يومها كل من النقابات الأمنية والمجتمع المدني الى إعلان «رفض» مسودة القانون، واتفقوا على وصف موحد لهدف القانون وهو «التضييق على الحرية».

اليوم وبعد ثلاث سنوات، سجلت فيها عدة تجاوزات من قبل النقابات الأمنية ان تعلق الأمر بمحاولة فرض تمرير القانون، وهنا وقعوا في الخطأ القاتل، فعوضا على ان يبحثوا عن توحيد موقفهم مع منظمات المجتمع المدني وقعوا في الصراع والصدام، الذي أنتج في النهاية عن قصد او غيره انسدادا في مسار القانون.

اخذ كل هذا معا يساعد على فهم ما يريده الأمنيون، بعيدا عن لحظات رد الفعل العاطفي، فمحمد المسعي، القيادي بنقابة وحدات التدخل، يشدد على ان ما يبحثون عنه هو توفير حق الدفاع عن النفس أمام الخطر، وحماية الأسرة والممتلكات، وتجنب الملاحقة القضائية ان نفذ عون الأمن التعليمات والقوانين.

أهداف يقول أنها ما يبحثون عنه، ان تتوفر في قانون، هنا يشير المسعي الى ان المشروع الحالي لقانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح، هو محل خلاف لكنه يظل «مشروعا» قابلا للتعديل والتنقيح بهدف تجاوز النقاط الخلافية فيه. منها التضييق على الحريات، العبارات الفضفاضة، كمصطلح التحقير الذي يشير الى ضرورة شرحه لتجنب ان يكون نقد أداء القوات الأمنية مشمولا.

في ردوده يتضح جليا ان ما يشغله هو الحماية وتوفير آليات استعمال العنف الشرعي ان اقتضى الأمر، اي ان يقع إعادة النظر في شروط توفر أركان الدفاع عن النفس، باعتبار الشروط القانونية الحالية تجعل من المستحيل إثبات إن كان استعمال العنف بقصد الدفاع عن النفس. هذا الطلب الذي يراد منه تحيين أركان الدفاع عن النفس بما يتماشى مع الخطر الجديد، الإرهاب، اقتحام مقرات أمنية.

سامي القناوي، القيادي بنقابة الحرس، لا تختلف انتقاداته عن انتقادات منظمات المجتمع المدني يوم أمس في مجلس النواب، فصول من مشروع القانون تضيق على الحريات، العقوبات مبالغ فيها، العبارات المستعملة فضفاضة. بل انه ذهب بعيدا في إعلانه انه ضد قانون خاص، وضد التسمية، «زجر» هو يريد حماية.

حماية من اجلها يؤكد أنهم منفتحون على النقاشات والحوار مع المعارضين بهدف الوصول الى منطقة رمادية، تحقق فيها الحماية مع ضمان الحرية وعدم انحراف القانون عن مقصده وهو حماية الامني أثناء وبعد أدائه لمهامه.

ان الغوص في تفاصيل ومنها تفاصيل الماضي وأين أخطأت النقابات الأمنية ، لن يغير من حقيقة المسائل، وهي اننا نهدر الوقت والجهد في غير محلهما، اليوم وجب العودة الى أصل الأشياء، والأصل هنا ما هو الهدف من القانون وهل من اعتراض مبدئي على هذا الهدف؟.

الهدف الذي دفع السلطة إلى صياغة القانون هو إحكام القبضة على الجهاز الأمني عبر مقايضة الولاء مقابل «الحماية»، «المقايضة» لا تعترض عليه المنظمات الحقوقية بل نقابات الأمن، وهذا يتجلى في النقاشات مع قادتها. لكن هنا انغمس الجميع وانشغل عن الهدف المبدئي للقانون، وهو حماية قوات الأمن في ظل وضع جديد تمر به البلاد، وهي الحرب على الإرهاب.

مناقشة هذا الجزء، وهي أن هناك حاجة أساسية لحماية خاصة للقوات الحاملة للسلاح لا يجب ان يغيب عليه ان هذه الحماية لا تتحقق بالقوانين وحدها، هناك جملة من الشروط وجب تحقيقها، ليس اقلها ان يكون هذا القانون محل إجماع.وهذا لن يتم في ظل الاخلالات العديدة التي يعاني منها مشروع.

اليوم هناك جملة من الحقائق التي وجب استيعابها، أولها أن البلد شهد ثورة اسقطت نظاما دكتاتوريا لكن مقابل هذا عانت من «الضعف» وباتت أجهزتها مستهدفة، ومنها الجهاز الأمني، الذي مثله مثل بقية القطاعات واقعه ليس ورديا وليس بمعزل عن حالة الصدام مع الدولة ومحاولة افتكاك مساحات منها.

الحقيقة الثانية أننا نضع قوانين لعقود وليس لظرف استثنائي، أي لا يجب ان يكون الاستثنائي هو أساس هذا القانون، كما ان القوانين تكتب لتحقيق غايات، أي ان الغاية هي الأصل والقانون هو الفرع او شكل تجسيد هذا الأصل. إي وجب ان ننظر لمسألة حماية الأمنيين كحق لا يسلب بسبب تجاوزات في الأداء الأمني.

لكن كي لا نعبد طريقنا الى الهاوية بـ»نوايانا الحسنة» وجب الانتباه إلى ثغرات او منزلقات قد نسقط فيها، فضرورة تنقيح شروط توفر ركن الدفاع عن النفس لا يعني ان نطلق اليد او ندفع إلى استسهال استعمال العنف القاتل لصد اي اعتداء ففي ذلك انتقاص من قيمة الحياة، أو أن ننزع صلاحية تحديد ان كان ما تم دفاعا عن النفس او تجاوزا من يد القضاء. فله وحده ان يحسم ان كان ما أتاه عون الأمن أو العسكري او غيره من العاملين في القطاعات الحاملة للسلاح هو دفاع عن النفس مستوجب الأركان او هو تجاوز او «استهتار» بسلطة وقعت بيده.

حماية الأمني تشمل أيضا حماية ممتلكاته وأهله، لكن وجب الانتباه هنا والابتعاد عن خلق طائفة في تونس تتمتع بحماية وعلوية على القانون، بسبب وظيفة احد أفراد الأسرة، او ان تصبح غاية حماية الأمني وأهله من إي اعتداء عليهم بسبب وظيفته، حصانة له وللأهل قد يلجأ إليها بسبب معركة بين صبية في الحي، يصادف أن احدهم ابن امني.

حد أي إمكانية للانحراف او التجاوز، سينتهي بنا الى التوافق على صياغة نص يعبر عن هواجس كل طرف، واول خطوة لتحقيق ذلك هي التخلي عن التسمية .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115