التنافسية وإنما دور «المشجع والمراقب». مع توجيه ميزانية الاستثمار إلى البنية التحتية خاصة في الجهات ذات الأولوية.
تكشف أرقام مشروع قانون المالية لسنة 2018 عن جملة من العناصر الهامة لفهم الذهنية التي اشتغلت الحكومة وفقها لترسم قانون ماليتها وخطوطه العريضة، التي كشف عن جزء منها خلال الأيام الفارطة، وعكست توجها اتسم بالبحث عن التوازنات المالية التي تعاني من اختلال بات هيكليا ودائما.
البحث عن التوازنات جعل حكومة الشاهد تتخذ جملة من الإجراءات الهادفة لتعبئة موارد إضافية للخزينة العامة، تتأتي بالأساس من الاداءات الجبائية غير المباشرة، وهذه الموارد الإضافية كما غيرها ستوجه حوالي 85 % منها أساسا إلى بابين من النفقات، نفقات التصرف، والمديونية. بمبلغ يقدر اليوم بـ29 مليار دينار لكليهما من أصل حجم الميزانية الإجمالي.
ميزانية 2018 تقدر وفق المعطيات التي تحصلت عليها «المغرب» بحوالي 34.6 مليار دينار تونسي، لن يخصص إلا سبعها 1/7 للاستثمار، فوفق المعطيات المتحصل عليها والتي تشير إلى أن الحكومة ستخصص في السنوات الثلاث القادمة ذات المبلغ للاستثمار العمومي، إي أنها ستخصص 16.5 مليار دينار للاستثمار على ثلاث سنوات.
هذا الرقم له عدة دلالات مهمة، فميزانية الاستثمار والتنمية لسنة 2018 شهدت تراجعا عن سابقتها خلال السنوات الثلاث الماضية، وسواء في حجمها او في نسبتها من الموازنة العامة، ومن ذلك ميزانية السنة الفارطة التي خصص منها 7.421 مليار دينار للتنمية اي 23 % من الميزانية.
مقارنة بسيطة بين الحجم والنسبة تشرح جزئيا توجه الحكومة الجديد في ما يتعلق بالاستثمار والتنمية، فحكومة الشاهد التي تستند إلى الصعوبات المالية المسجلة منذ 6 سنوات لتبرر تخفيض ميزانية التنمية والاستثمار ب2مليار دينار. إذ أن العجز العام في الميزانية يراد له ان لا يتجاوز 5 مليار دينار، مما يستوجب تخفيض النفقات في الأبواب الممكنة.
تخفيض ترى الحكومة انه لن يؤثر على نسق النمو والاستثمار، بل سيكون له تأثير ايجابي. هذا التفاؤل يفهم بالعودة لمنطلقات الحكومة التي لم تكن كلها مستندة للصعوبات المالية، بل الى ضرورة تعديل دور الدولة في ملف الاستثمار والتنمية، بتشريك القطاع الخاص وتوجيه الاستثمار العمومي الى الجهات ذات الأولوية.
توجه يقوم على إعادة توزيع الأدوار بين الفاعلين الاقتصاديين، فالدولة ستقلص من حجم تدخلها في السوق بشكل مباشر عبر الاستثمار وستحصر دورها في تطوير البنية التحتية وتوفير حزمة من الحوافز لتشجيع الاستثمار الخاص، سواء بالتشجيع على المبادرة الفردية أو بتفعيل قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص. هذه الشراكة ستتجلى وفق مخطط الحكومة في 19 مشروعا، بعضها قد يشهد النور في 2018 خاصة لكن اغلبها سيقع الانتهاء منها في 2019.
حزمة الإصلاحات والإجراءات الاقتصادية التي تقرها الحكومة في مشروع قانون المالية تتسم بطابعها الليبرالي الاقتصادي، عبر رفع جملة من القيود على الاستثمار خاصة في المنظومة البنكية التي ستكون عملية الإصلاح والقوانين المتعلقة بها في قانون المالية عاكسة لفلسفة الحكومة الجديدة، الهادفة لتوسيع قاعدة المنضوين تحت المنظومة.
عنصران يعكسان هذا النفس الليبرالي في السياسة النقدية هما، توسيع قاعدة المنتفعين بقرض السكن وتيسير قروض الاستثمار وكذلك منح صلاحيات للبنك المركزي للتدخل وتوجيه القروض الى الاستثمار والحد من القروض الاستهلاكية. كما ان المقاربة التي تعتمدها الحكومة وتراهن على أنها ستكون محرك الانتعاش الاقتصادي، تتضمن إغراء المستثمرين وإقناعهم بالوجهة التونسية بجملة من الحوافز المالية واللوجستية والقانونية.
في انتظار صدور المشروع بصيغته النهائية، يبدو ان حكومة الشاهد شرعت في وضع منوال تنمية جديد قيد التطبيق وان بشكل محتشم، عبر خيارات إستراتيجية أولها الشراكة بين القطاع العام والخاص وأخرها إعادة تحديد لوظيفة الدولة التنموية، والتخلي نهائيا عن أي تدخل للدولة في المجالات الاقتصادية التنافسية كمستثمر والاكتفاء بدور المعدل والرقيب.
فلسفة ستجد بعض الصعوبات والمعارضين، لما لها من انعكاسات اجتماعية آنية بسبب طابعها الليبرالي الذي يتناقض مع ميول ابرز شركاء/خصوم الحكومة وهو اتحاد الشغل.