تحليل إخباري: اعتقال شفيق جراية وياسين الشنوفي بمقتضى قانون الطوارئ هل هي بداية النهاية للحيتان الكبيرة ؟ !

تتواتر الأحداث في بلادنا بسرعة جنونية فبعد أن كانت تونس كلّها تحت وقع ما يحصل في تطاوين من أحداث بعضها محزن للغاية كوفاة المغفور له أنور السكرافي والإصابات في

صفوف الأمنيين والمحتجين واستهداف المقرات السيادية نزل خبر اعتقال شفيق جراية رجل الأعمال المثير للجدل كما يقال ،عندما نريد أن نكون مهذبين ، في مقهى بالبحيرة واقتيد والأغلال بيديه ،وبعد دقائق تم اعتقال المرشح السابق للانتخابات الرئاسية ياسين الشنوفي الموظف السابق بالديوانة التونسية وأحد «شركاء» عماد الطرابلسي ...

حملة الاعتقالات هذه فاجأت الجميع خاصة وأنها تزامنت مع أحداث تطاوين وحديث عن « تمويلات مشبوهة « للأقلية الراديكالية في اعتصام الكامور ..ولكن المعطيات الأولى التي استقيناها تفيد بأنه لا علاقة مباشرة بين حملة الاعتقالات هذه والتي من المنتظر أن تطال بعض الشخصيات الأخرى وما يجري في تطاوين بل جاءت بقرار من رئيس الحكومة بمقتضى حالة الطوارئ والأمر المنظم لها والمؤرخ في 26 جانفي 1978..

والفصل الخامس لهذا الأمر يسمح «لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معيّنه أي شخص يقيم بإحدى المناطق المنصوص عليها بالفصل الثاني أعلاه يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين بتلك المناطق يتعين على السلط الإدارية اتخاذ كل الإجراءات لضمان معيشة هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم»

فنحن أمام إجراء إداري لا قضائي..
وحسب مصادر مختلفة فلقد تم وضع شفيق جراية وياسين الشنوفي تحت الإقامة الجبرية في مكان لم يعلن عنه ولا ندري هل هو في شقة على ملك هذين الشخصين أم لا..

وقد لجأ رئيس الحكومة لهذا القرار بعد ان كادت تستحيل كل طرق التحقيق الأخرى العادية رغم وجود ملفات قضائية توصف بالهامة ..

وما ترجوه الحكومة من وراء هذا القرار هو تمكن الفرق الأمنية التي يسمح لها قانون الطوارئ بالحصول على كل المكالمات الهاتفية والمراسلات الشخصية للمعتقلين دون اللجوء إلى إذن قضائي في الغرض وقد تتوفر معطيات ومعلومات تسمح أو لا تسمح بإضافتها للملف الذي تنوي الحكومة فيما بعد تقديمه للقضاء..

والمعلوم أنّ قانون حالة الطوارئ لا يحدد سقفا زمنيا معينا لمدة الإقامة الجبرية الإدارية بل بإمكانها أن تبقى مفتوحة ما بقيت حالة الطوارئ في البلاد..

لا نريد أن نستبق الأحداث ولا أن نعوض البحث الأمني بداية ثم القضائي فالمبدأ هو أنّ كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة ..ولكن لا يمكن إلا أنّ نشدد على الجرأة والشجاعة في هذه الخطوة والتي نتمنى أن تكون البوابة الفعلية لحرب جدية ومتواصلة على كل شبكات الفساد والتجارة الموازية ولوبيات المال والسياسة التي استفحل أمرها واخترقت جلّ أجهزة الدولة وكادت أن تحدث لها دولة داخل الدولة ..

لقد آن الأوان أن تتغير موازين القوى بين الدولة وشبكات الفساد وان نبدأ في تفكيكها بعدالة عادلة وناجزة في ذات الوقت ..

المطلوب اليوم ليس هو رأس فلتان أو علاّن ..المطلوب هو فتح جدي لملفات الفساد المعقدة وتقصي قضائي في كل تعقيداتها داخل الإدارة وخاصة الأجهزة الرقابية والردعية والقضائية للدولة والطبقة السياسية والمؤسسات العمومية والإعلام والجمعيات ..

لا نريد مطاردة للساحرات كما يقال ولكن نريد استئصالا لهذا الورم الخبيث الذي طال كل شيء في بلادنا وأساسا الذهنيات والشبكات الزبونية بكل أصنافها ..

نحن نريد أن يعيش بناتنا وأبناؤنا في بلد يكون فيه الاستحقاق الفردي هو القاعدة لا الاستثناء ..

الإطاحة بالحيتان الكبيرة ، كل الحيتان الكبيرة ، هي بداية الطريق لا نهايته حتى تتخلص بلادنا نهائيا من هذا الورم الخبيث.

لقد أقدمت الحكومة يوم أمس على مخاطرة هامة اذ لا يتوقع احد انه باستطاعتها التمديد الامتناهي لمدة الإقامة الجبرية دون تقديم ملف المعتقلين إلى القضاء.. كما أنّ الشبكات الزبونية المعقدة التي أنشاها هذان المعتقلان سوف تتحرك بالسرعة القصوى للتنديد بـ«انتهاك حقوق الإنسان» وبـ«الاحتجاز التعسفي» كما ان الحكومة مطالبة من جهة أخرى بالا تكون انتقائية في ترصدها لنشاطات «الحيتان الكبيرة» وان تكون حربها على شبكات الفساد واللوبيات شاملة ولا هوادة فيها وألاّ يكون كل هذا مرتبطا بضرورة الخروج من مأزق اعتصام الكامور ليس إلاّ..

لقد قلنا في الأسبوع الفارط بان الحرب آتية لا محالة بين الدولة وهذه الشبكات .. ولكننا للنزاهة لم نكن نتوقعها بمثل هذه السرعة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115