انطلق مجلس نواب الشعب في مناقشة مشروع القانون المتعلق بإحداث المجلس الوطني للحوار الإجتماعي، من خلال عقد سلسلة من جلسات الاستماع ستشمل كافة المنظمات والهيئات المهنية. الحوار الاجتماعي يهدف بالأساس إلى الحد من النزاعات الاجتماعية من خلال إرساء شراكة اجتماعية تقوم على توخي المفاوضة والحوار سبيلا لفض النزاعات إلى جانب تحقيق مبادئ العمل اللائق وتوفير مناخ اجتماعي سليم داخل المؤسسة الاقتصادية. وعلى المستوى الوطني، يهدف الحوار إلى الترفيع في الانتاجية وتحسين الأداء الاقتصادي، حيث يقوم الحوار على مبدإ الثلاثية والذي يتشكل من أطراف سياسية وفاعلة ممثلة من خلال الحكومات والنقابات العمالية وأصحاب العمل.
ويندرج مشروع القانون المعروض في إطار تجسيم مختلف بنود العقد الاجتماعي الذي تم إبرامه بتاريخ 14 جانفي 2013، والذي يعتبر بمثابة الدستور الاجتماعي بالنظر إلى دوره في تطوير العلاقات الاجتماعية. هذا ويتولى المجلس الوطني للحوار الاجتماعي تنظيم وإدارة الحوار بمختلف ابعاده ومضامينه الواردة بالعقد الاجتماعي. وتماشيا مع مبدأ الثلاثية يختص المجلس بالنظر كذلك في المسائل الاجتماعية والاقتصــــادية ذات الاهتـمام المشترك بين الأطراف الممثلة والتي من شأنها ضمان العمل على إرساء مناخ اجتماعي محفز ودافع للاستثمار.
حول تركيبة المجلس
مشروع القانون الذي يعتبر من بين أهم مشاريع القوانين المعروضة على أنظار مجلس نواب الشعب بالرغم من التأخير المبالغ فيه باعتبار أنه أحيل منذ سنة 2015، حيث انطلقت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في عقد سلسلة من جلسات الاستماع، شملت في مرحلة أولى وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، الذي أكد بدوره أن الهدف من إحداث المجلس يتمثل في الخروج بالحوار من الطابع المناسباتي والعمل على تأسيس حوار دائم ومستدام، إلى جانب أنه يساهم في الوقاية من النزاعات الشغلية. كما بين الوزير أن المجلس يعتبر هيكلا استشاريا ومتمتعا بالاستقلالية الإدارية والمالية، وميزانيته ملحقة ترتيبيا بالميزانية العامة للدولة وتابعة لميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية ويخضع في أنشطته إلى نظام الصفقات العمومية والى مجلة المحاسبة العمومية.
وبخصوص المنظمات العمالية التي ستكون ممثلة صلب هذا المجلس، فقد بين الطرابلسي انه في حال غياب التوافق بين المنظمات العمالية حول الطرف الذي سيكون ممثلا صلب هذا المجلس سيقع اعتماد مقاييس محددة في علاقة بعدد المنتسبين والانتشار الجغرافي والقطاعي والاستقلالية المالية والسياسية ومدى تأثير النقابة على علاقات العمل وعلى الوضع الاجتماعي بصفة عامة. وأكد ان المجلس لن يكون منافسا للدولة ولا لمجلس نواب الشعب ولا مجلس التنمية المستدامة، بل ستكون مهامه استشارية بالأساس، مقترحا أن يتم تمكين رئيس المجلس من راتب قار على أن تكون بقية الأطراف متطوعة.
وضع قانون التمثيلية النقابية
وفي مرحلة ثانية استمعت اللجنة إلى كل من الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي والى ممثلين عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، حيث أكد الطبوبي على ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي لما له من علاقة بثقافة الحوار وتجربة الشعب التونسي وميزته المتمثلة في الانفتاح وتقبّل الرأي الآخر. وبيّن أن الحماية الاجتماعية تعد من المحاور الهامة في هذا الحوار مؤكّدا على ضرورة التمييز بين مفهومي التضامن الاجتماعي والحماية الاجتماعية. كما بيّن أن المنظمة الشغيلة لا تريد أن يكون الحوار الاجتماعي منحصرا في الجانب المادي والزيادة في الأجور بل يجب أن يكون أشمل من ذلك. في حين اعتبر ممثلو منظمة الأعراف أنه تمت ملاحظة هذه المؤسسة المهمة عند إمضاء العقد الاجتماعي، مؤكدين على أهمية دور هذا النوع من الهياكل في ابداء رأيه في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، لكن يجب العمل على وضع قانون التمثيلية النقابية الذي يتيح للحكومة المجال لاستشارة النقابة في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية خاصة في ظل تكريس التعددية وإمضاء تونس لاتفاقية حرية العمل النقابي.
في المقابل، اعتبر أعضاء اللجنة أن مشروع القانون يحظى بتوافق واسع بين مختلف الأطراف المشاركة فيه، مبرزين ضرورة العمل على معالجة بعض النقاط الخلافية المتصلة به لضمان المصادقة على هذا المشروع الهام .كما بينوا أن مأسسة الحوار الاجتماعي تعتبر ركيزة من ركائز الجمهورية الثانية ووسيلة للحوار خاصة في ظل التخوف من الانفلاتات التي يمكن أن تحصل مع غياب الحوار الاجتماعي، وعبّروا عن اهتمامهم برأي الاتحاد في مشروع القانون والتوصيات التي يمكن أن تتعلق به.
هذا ومن المنتظر أن تواصل لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية جلسات الاستماع خلال الأسبوع القادم، على أن يتم الانطلاق في مناقشة فصول مشروع القانون فصلا فصلا، وعرضه على الجلسة العامة في أقرب الآجال.