رسالة إلى أبناء تونس المعتصمين في الكامور

لقد تابع كل التونسيين باهتمام كبير وأحيانا بقلق اعتصام الكامور بولاية تطاوين ولمسنا انقطاع سبل الحوار مع الحكومة التي تنقل نصفها إلى الجهة وقد اعتقد بعضنا بأن في مطالب المعتصمين تعجيزا للدولة وشططا قد نتفهم دواعيه ولكن دون أن نشاطرها

لأنه انبنى على قاعدة ذهنية وإيديولوجية فيها سوء تفاهم كبير مع من تتقاسمونهم الوطن وأحلام المستقبل..

بيان تنسيقية المعتصمين في الكامور بتاريخ 2 ماي الجاري قد وجد في إشارات رئيس الدولة إليه يوم أمس في خطابه بقصر المؤتمرات إشهارا كبيرا .. ولكن وبغض النظر عن التقييم الرئاسي لهذا البيان فإن قراءته المتمعنة تجعلنا نقف على مواطن خطيرة فيه لا نعتقد أن الغالبية الساحقة من أهالي تطاوين تشاطره الرأي والخلفية..

في بيان 2 ماي لتنسيقية المعتصمين في الكامور تحت عنوان «لقد شرفنا جهتنا ونريد أن نشرف وطننا» انتقلت فيه المطالب من السقف الاجتماعي المحلي (تشغيل 2000 عاطل عن العمل في الشركات البترولية وتخصيص %20 من عائدات البترول لتنمية الجهة ) إلى السقف الوطني السياسي. لم يُعلن بوضوح عن الهدف النهائي ولكن السياق واضح وجلي : ثورة عارمة تُملّك أبناء الشعب ثروات البلاد بأكملها ...وإذ يقول المعتصمون بأن رضوخ «السلط الحاكمة والسلط البترولية» لمطالبهم ليست هي نهاية الطريق بل وسط الطريق فقط .. ونهاية الطريق ، على ما يفهم من الإيحاءات والاستعارات ، هي قلب السلط السياسية والبترولية وغيرها على نمط ما أراد تحقيقه علي بن غذاهم، وهم أحفاده، وأنهم لن يحصلوا في فخ قائد ثورة الفقراء والمستضعفين عندما أغواه الباي فانتهت الثورة ..

نحن لا نريد أن نحمل نص بيان معتصمي الكامور أكثر ممّا يتحمّل ولكن الواضح والجلي انّه لا ينطلق من أفق احتجاج اجتماعي فقط ..بل إن المطالب الاجتماعية التي رفعها إن هي إلاّ خطوة في اتجاه المطلب العام من أجل تمليك كل التونسيين لثرواتهم ومقدراتهم الطبيعية وأن هذا التمليك يستدعي ثورة لا تقف في نصف الطريق ولا تتم غوايتها من قبل السلط الحاكمة ..

لاشك أنّه من حق كل تونسي أن يدعو إلى ما يريد شريطة ألا تتضمن دعوته لا تلميحا ولا تصريحا دعوة إلى العنف ولا الوصول إلى السلطة بغير وسيلة صندوق الاقتراع..

والدعوة اليوم إلى ثورة ثانية فيها استبطان لعنف ما ، على الأقل ضد مؤسسات الدولة ،لأنها دعوة لا تنخرط في المسار السياسي وفي قواعد اللعبة الديمقراطية التي تواضعت البلاد عليها ..

لا يملك تونسي واحد أيّا كان موقعه ألاّ ينصت وألاّ يصغي لكل دعوة لتنمية الجهات الداخلية ولتعميم الرخاء على كل المواطنين بدءا بشغل كريم لكل بناتنا وأبنائنا .. ولكن عندما لا تُقصَد هذه الدعوة لذاتها بل يراد لها أن تنخرط في عملية لي ذراع مع الدولة تبدأ بتحقيق هدف اجتماعي – أيا كانت شرعيته – وتنتهي بإسقاط النظام خارج صناديق الاقتراع بدعوى اعتصام وطني شامل من الشمال إلى الجنوب هنا نقول لشبابنا في تطاوين وفي كل أصقاع الجمهورية لقد أخطأتم الطريق وسوف تدفعون بشباب يتقد حيوية ونشاطا إلى عدمية عواقبها وخيمة وسوف تمهدون، شئتم أم أبيتم، لعودة العصا الغليظة بل لعودة القبضة الحديدية ..

لقد قامت ثورة في تونس .. ثورة نناضل جميعا بأن تنهي الاستبداد والقبضة الحديدية إلى الأبد ولكن الدعوة اليوم إلى الخروج على مؤسسات الدولة أيا كانت مبرراته إنما هو تشريع غير مباشر إما لتفشي الفوضى أو لعودة الاستبداد..

نحن نظنّ خيرا بكل شبابنا وبشبابنا في الكامور أيضا فمن حقكم ان تناضلوا من اجل حقكم المشروع في التنمية وفي الشغل الكريم ..من حقكم أيضا أن تطلبوا كشف الحقيقة كاملة حول ثرواتنا الطبيعية : ماهو حجمها بالضبط وكيف تم ويتّم استغلالها .. كل هذا يندرج ضمن السقف الوطني وضمن مشروعية إعادة توزيع الثروة ، بعد التفاني في إنتاجها ، باعدل صفة ممكنة بين الجهات والأجيال والجنسين..

ولكن حذار من المغامرات غير المحسوبة العواقب ومن رومنسية ثورية تنتهي بالدمار وبنار تحترق بها البلاد والعباد..

لو أردتم أن تخطوا بعدا سياسيا واضحا لمطالبكم فانتظموا في حزب أو حركة سياسية وتقدموا بوجه واضح وصريح للشعب واحتكموا للصندوق ولا ترتهنوا المآسي الاجتماعية للعاطلين عن العمل في تطاوين أو في غيرها ..

لا نعتقد أن اعتصام الكامور ، مادام تحت السقف الاجتماعي الواضح يمثل خطرا على امن البلاد من قريب أو من بعيد .. ولكن أوهام قيادة ثورة ثانية ستكون خطرا على انتقالنا الديمقراطي الهشّ وستعطي فرصة ذهبية لكل من يريد غلق القوس الذي فتحته ثورة 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي 2011..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115