بناء على هذا الفصل وعلى ما جاء كذلك في الفصل 77 « يتولى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة ويختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة»
أتوجه إليكم بهذه الرسالة المفتوحة لافتا نظركم إلى أمر جلل يمكن أن يهدد استقرار الدولة التونسية وان يكون معولا من معاول هدم الوحدة الوطنية المستهدفة من كل حدب وصوب هذه الأيام ..
أطلقتم منذ حوالي سنتين مبادرة تشريعية تسمى بمشروع قانون المصالحة الاقتصادية قصد تحقيق ما تعتقدونه المصالحة الشاملة والنهائية للتونسيين مع حاضرهم وماضيهم لكي نفتح جميعا صفحة جديدة في البناء الوطني المشترك ..
سيادة الرئيس
لا يخامرني شك في حسن نواياكم وفي اجتهادكم من أجل الصالح العام ..ولكن لابدّ من الإقرار بأن هذه المبادرة قد أخطأت الهدف وأقحمت في «المصالحة» هذا المفهوم النبيل ما ينتمي إلى الجرائم العادية في الفساد والتي لا يمكن لدولة تريد إنفاذ القانون والحق أن تتصالح معها لأننا بذلك نسوي بين الفاسدين والشرفاء في كل فئات المجتمع وهي رسالة سلبية للغاية تقوض صرح الجمهورية من أساسه القائم على احترام القانون وإنفاذه على الجميع ..
وعندما نستمع إلى بعض مستشاريكم يقولون بصريح العبارة بأنّ من أرشى أو ارتشى سنة 2007 أو 2008 عليه أن يعمد للجنة المصالحة وكفى الله المؤمنين شر القتال يمتلكنا الذهول من هول ما نسمع !!
سيادة رئيس الجمهورية
كيف يمكن للحكومة التي انبثقت عن وثيقة قرطاج أن تكون ذات مصداقية في ادعائها الحرب على الفساد والحال أننا أمام مبادرة تشريعية تسمح للفاسدين بالإفلات من العقاب بدعوى المصالحة !؟
ثم عندما يقر الجميع بدءا بأعلى رموز الدولة بأن الفساد ما فتئ ينتشر وينخر مفاصل الدولة فكيف تكون محاربته بالتصالح معه ؟ !
عندما تتصالح الدولة مع الفساد تفقد الدولة هويتها الأساسية كحامية للقانون وكضامنة للمساواة أمامه بالنسبة لكل مواطنيها
سيادة الرئيس
نعلم جيدّا أن بعض الخبراء قد انبروا يبشروننا بالأموال الطائلة التي سنجنيها من آثار المصالحة هذه وكيف أنها ستساهم بأكثر من %1 في الناتج المحلي الإجمالي والحال أنه لا وجود لمعلومة جدية وحيدة تقول لنا على افتراض تمرير هذا القانون كم ستحصل الدولة من أموال وكم ستعود من أموال في الدورة الاقتصادية استثمارا وإنتاجا..
نحن نراهن بأن كل هذه الحسابات مبنية على تخمينات خاطئة ..فالزمن النفسي للمحاسبة قد ولى وانتهى والثقة في الدولة ضعيفة .. فما تنتظره بعض الأوساط المعنية بهذا القانون هو مجرد صدوره لا غير .. ولكن من يعتقد بأننا سنكون أمام هرولة وازدحام أمام هذه اللجنة فهو واهم.. سيستعمل هذا القانون كراية لتبييض الفساد فقط لا غير وللإعلان عن غلق القوس الذي فتحته الثورة وعلى تعميم الفكرة بأن الفساد لا ولن يحاسب في هذه البلاد بصفة جدية ..
سيادة الرئيس
الاحتجاجات على جوهر سياسات الدولة ما فتئت تتفاقم هذه الأسابيع الأخيرة في مختلف أصقاع البلاد..
يعتبر بعض الشباب المحتج أن السلطة الحالية كلها تساهم في نهب الجهات الداخلية وفي التمهيد لعودة المنظومة القديمة برمتها ..
قد يكون هنالك ظلم كبير في هذا التوصيف ولكنكم تعلمون أن عالم السياسة هو عالم التمثلات بالأساس وأن الجوهري فيه ليست هي الحقيقة الموضوعية بل ما يغلب على الظن عند الناس ..
ولكن وحتى إن لم تكونوا مسؤولين مباشرة على ما يحدث في الحزب الذي أسستموه فلا يخفى عنكم أن العودة القوية والفجّة للحرس القديم لبن علي تسهم بدرجة كبيرة في تأكيد مخيال الاحتجاج الاجتماعي في البلاد.. وهنا يكون تمرير قانون المصالحة الدليل القطعي والنهائي بأن السلطة الحالية لا تريد أن تتصالح مع تونس اليوم بل فقط مع الفاسدين في تونس الأمس ..
سيدي رئيس الجمهورية
تعلمون قبل غيركم بأن نجاح الانتقال الديمقراطي ليس مسألة محسومة وأن خطى بلادنا مازالت متعثرة وأن جمود الاقتصاد قد ساهم في تعميق هشاشة الرابط الوطني.. وأن في كل الاحتجاجات المتصاعدة نبرة، تقوى وتخفت، تريد القطع مع الدولة التونسية وأن مسؤوليتكم التاريخية والدستورية تتمثل في استباق هذه المخاطر المحدقة بالبلاد وبتجنيب تونس معارك وهمية وصراعات عقائدية تزيد في هشاشات وجراحات البلاد..
نعتقد أن هنالك عدة مبادرات تعيد للبلاد وحدتها وحيويتها وأنها لو حظيت بدعمكم لزاد القها كحملة استهلك تونسي ومبادرة استثمر في الجهات الداخلية وأن تكون الرئاسة إطارا للإنصات لكل أصوات المحتجين ولدفع المبادرات الايجابية باتجاه تنمية عادلة وشاملة للبلاد..
سيادة رئيس الدولة
حفاظا على وحدة تونس ومواصلة لبريق ثورتها في إقرار العدالة ومحاربة الفساد نقترح على سيادتكم سحب مشروع قانون المصالحة في صيغته الحالية وتخصيص جزء منه فقط بمبادرة تشريعية تتعلق بكبار الموظفين زمن بن علي الذين يثبت بصفة قطعية عدم ولوغهم في المال العام لا بصفة مباشرة أو غير مباشرة فهذا فيه تحقيق للعدل ورفع لابتزاز يتعرض له بعضهم.. أما العفو عن جرائم الصرف فذلك من اختصاص السياسة الجبائية للحكومة ويسحب نهائيا كل ما من شأنه أن يشرّع أي صنف من أصناف التصالح مع الفاسدين ..
سيادة رئيس الجمهورية
أملنا وطيد في حكمتكم وفي حسّكم السياسي المرهف لنجنّب البلاد هزات وأزمات هي في غنى عنها ..