دائما ما يشهد موضوع الثروات الطبيعية في تونس وخصوصا في مجلس نواب الشعب جدلا بين المعارضة والائتلاف الحاكم، نظرا لحساسية المسألة وغياب المعطيات الضرورية المتعلقة بنصوص الاتفاقيات على حد تعبير المعارضة. وقد استغلت المعارضة مناقشة تنقيحات المجلة من أجل إعادة الجدل المتعلق برخص البحث والاستغلال في قطاع المحروقات والثروات الطبيعية والمطالبة بتكريس المراقبة ومراجعة العقود السابقة.
ملاءمة مجلة المحروقات مع الفصل 13
وخلال النقاش العام في الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع قانون المتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة المحروقات، والذي يهدف إلى ملاءمة أحكام مجلة المحروقات مع مقتضيات الفصل 13 من الدستور في مجال المحروقات من خلال تعزيز دور السلطة التشريعية في التصرف في هذه الثروات الطبيعية. وتداول نواب الشعب في أهمية التنقيحات من أجل توسيع مجال الاستثمارات في هذا المجال، حيث قال النائب محمد زريق أنه لابد من الإسراع بتعديل شامل لمجلة المحروقات ومجلة المناجم لملاءمتها مع مقتضيات الدستور، هذا الأمر من شانه أن يدفع بعجلة الاقتصاد في مجال المحروقات.
في المقابل، رفضت المعارضة المصادقة على هذه التتقيحات باعتبارها لا تتناسب مع مقتضيات الفصل 13 من الدستور الذي يضمن الحق حصريا للشعب التونسي في التصرف في الثروات الطبيعية. وقال النائب عدنان الحاجي أن هناك التفافا على إرادة مجلس نواب الشعب من خلال ضم مراحل البحث والاستكشاف في اتفاقية وحيدة تخول للوزارة التصرف بمفردها. في حين اعتبرت النائبة درّة اليعقوبي أنه لابد من سن قوانين جديدة لتنظيم مجال المحروقات والنهوض بالاقتصاد التونسي، حيث لم يتم التنصيص على دور الرقابة في مختلف مراحل الاستثمار من الاستكشاف والبحث.
وفي ردها على تساؤلات النواب، قالت وزيرة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة هالة شيخ روحو أن الفصل 13 من الدّستور لم يقع التّنصيص فيه على القطاعات التي يشملها، حيث لابد من تنزيل احكام الدستور في شكل قوانين من خلال التنصيص على مبدأي الشفافية والتشاركية. كما بينت الوزيرة أنه يجب العمل على التّرفيع من مستوى الرّقابة وحسن التصرّف باعتبار أن منظومة التصرّف في المحروقات تحتوي على بعض الاخلالات، وليس مثلما يقال وجود ظواهر إهدار الثّروات الطّبيعيّة غير صحيح، مشيرة إلى أن ما يجلب المستثمرين الى تونس هو الاستقرار السياسي والاجتماعي بالرغم من أن القطاع يمرّ بفترة عسيرة في ظل التراجع الكبير في الإنتاج.
الرقابة من قبل مجلس نواب الشعب
هذا وقد شهدت الجلسة العامة عديد الإشكاليات خلال مناقشة الفصول، خصوصا بعد رفض مقترحات التعديل المقدمة من قبل المعارضة وتتمثل في عرض أعمال الاستكشاف والبحث عن المحروقات واستغلالها والعمليات التي يقوم بها صاحب الرخصة على مجلس نواب الشعب للموافقة المسبقة. لكن في المقابل، تم رفض مقترحات التعديل المقدمة في هذا الشأن باعتبار أنه يتم بصفة آلية حسب نواب الائتلاف الحاكم فإن كافة الاتفاقيات والرخص تعرض بصفة مباشرة على أنظار المجلس. كافة مقترحات التعديل رفضت سواء من قبل المعارضة أو البعض من نواب الائتلاف الحاكم، حيث استغل نواب المعارضة خصوصا من قبل التيار الديمقراطي هذه النقطة من أجل اتهام المجلس والحكومة بمحاولة حماية الفاسدين في مجال المحروقات وتقليل شأن السلطة التشريعية في مراقبة الاتفاقيات، مع المطالبة في نفس الوقت بضرورة ترجمة مضمون الاتفاقيات إلى اللغة العربية باعتبار أن أغلبها يكون باللغة الانجليزية.
الجلسة المسائية انحصرت بالأساس في مناقشة الفصول المنقحة ومقترحات التعديل المتعددة، بالرغم من رفضها، إلا أن البعض تشبث بها حتى خرجت الجلسة العامة في بعض الأحيان عن سيرها الطبيعي من خلال تبادل التهم. لكن في الأخير، تم التصويت على مشروع التنقيحات برمته بـ 106 مع واحتفاظ 2 واعتراض 16، وبذلك تصبح كافة الاتفاقيات والرخص تحت رقابة مجلس نواب الشعب وفي جلسة عامة مفتوحة للجميع، يتم نشرها بكافة التفاصيل والمعطيات حسب تصريح رئيس لجنة الصناعة عامر العريض عقب المصادقة على مشروع القانون.
في تطبيق نظام «أمد»
النقاش العام بين نواب الشعب تطرق بالأساس إلى عدم وجود تكافؤ فيما يتعلق بالخارطة الجامعية في تونس نتيجة سياسة شعبوية سابقة، مطالبين بضرورة الحفاظ على الطاقات التونسية والحفاظ على الطلبة الذين ضاق بهم سوق الشغل في تونس وسافروا للعمل في الخارج. وفي هذا الإطار، قال النائب هيكل بلقاسم أن منظومة التعليم العالي تعاني من عديد النقائص والوسائل الضرورية التي يحتاجها الطالب كالدروس والأبحاث العلمية، لذلك يجب تداركها، متسائلا في ذلك على مقاربة الوزارة في إصلاح السكن الجامعي والمنح الجامعية نظرا لكلفة الدراسة المرتفعة التي تتطلبها الجامعة. كما انتقد نواب الشعب غياب البرامج المشتركة بين جميع الوزارات منظومة «أمد»، حيث قالت النائبة فاطمة المسدي أن تطبيق نظام «امد» يتعارض مع المبادئ التي اعتمد لأجلها، لكن مشروع القانون الحالي جاء لحل إشكال المعهد العالي للأعمال بتونس، في نفس الوقت من شانه أن يكون حلا لمنظومة التعليم العالي ككل، حيث لابد من إصلاح جذري لمنظومة التعليم العالي وإدراج شهادة الدكتوراه في السلم الوظيفي.
من جهته، وفي رده على تساؤلات النواب، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي سليم خلبوص أن هذا التنقيح يعتبر مهما جدا، باعتبار وجود وضعيات عالقة في مجال التعليم العالي، حيث لابد من استعمال عدة نماذج في منظومة التعليم العالي والمعهد العالي للأعمال يعتمد على النموذج الانجلوساكسوني. كما بين أنه لا يوجد إشكال من ناحية إدماج طلبة المعهد العالي للأعمال بتونس بسوق الشغل، ولابد من ربط مشروع القانون المذكور بإصلاح كامل لمنظومة التعليم العالي.
ومن المنتظر أن تواصل الجلسة العامة أعمالها صباح اليوم من أجل استكمال المصادقة على ستة مشاريع قوانين أخرى أغلبها يتعلق باتفاقيات دولية.