هذا الشهر – كيف تأثرت هذه التفاعلات وفق الانتماءات الجهوية والاجتماعية والجيلية والجندرية للمستجوبين...
الواضح والجلي أن النجاح الأمني في عملية بن قردان قد انعكس بصفة إيجابية على معنويات التونسيين فبعد أن كان أكثر من ثلثي التونسيين (68,9 %) يرون في شهر فيفري الفارط بأن البلاد سائرة في الطريق الخطإ تقلصت هذه النسبة إلى 61,5 % في باروميتر مارس...
لا شك أن هذه النسبة مازالت مرتفعة ولكن عودة الأمل إلى أكثر من نصف مليون مواطن (النقطة المائوية هي في حدود 80000 نسمة) خلال شهر واحد مسألة على غاية من الأهمية.
المثال النموذجي للمتشائم
لكن الجديد في باروميتر هذا الشهر هو إعطاؤنا إمكانية تحليل إجابات التونسيين وفق الانتماءات الأساسية لهم جهويا واجتماعيا وجيليا وجندريا...
الملاحظة الأولى هي أن النساء أكثر تشاؤما من الرجال (63,2 % مقابل 60,1 %) ولكن الفارق الأكبر نجده في المستويات العمرية. فالأكثر من ستين سنة هم الأكثر تفاؤلا بسير الأمور في البلاد وقريبا منهم نجد فئة 36-40 سنة ويبقى الكهول (فئتي 41 - 50 سنة و51 - 60 سنة) في مستويات تفاؤلية أفضل بخمس وبست نقاط من المعدل الوطني...
والشباب هو الأكثر تشاؤما وبصفة صارخة كذلك إذ تبلغ هذه النسبة 64,7 % لفئة 18 - 25 سنة وتبلغ رقما قياسيا بـــ 71,2 % لدى فئة 26 - 30 سنة أي لدى الشباب المقبل حديثا على الحياة العملية وهذا مفهوم إلى حد كبير نظرا لتعرض هذه الفئة العمرية لأزمة البطالة والهشاشة المهنية..
من الناحية الاجتماعية الطبقة الشعبية هي الأكثر تشاؤما بـــ 67,6 % والطبقة المرفهة هي الأقل بـــ 56,9 % بينما نرى أن مستوى تفاؤل الطبقات الوسطى يبقى أفضل من المعدل العام بأكثر من نقطتين...
أما على المستوى الجهوي فالفوارق هامة أيضا إذ نجد أن الجهة الأكثر تفاؤلا هي ولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) بـــ 52,7 % أي أفضل من المعدل الوطني بتسع نقاط رغم (والأصح بفضل) عملية بن قردان وحالة الرعب التي عاشها المواطنون رغم الانتصار الأمني الباهر...
في المقابل نجد أن ولايات الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) هي الأكثر تشاؤما بـــ 70,3 %...
أما جهات الشمال الثلاث بشرقيها وغربيها وكذلك بإقليم تونس الكبرى ففي هذه جميعها يكون التشاؤم قريبا جدا من المعدل الوطني... وهو فوق المعدل العام في الوسط الغربي (القصرين وسيدي بوزيد والقيروان) ودونه في صفاقس وفي ولايات الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي).
فلو رمنا أن نصنع نموذج التونسي المتشائم من سير الأمور في البلاد لقلنا بأنه فتاة ما بين 26 و30 من عمرها من الطبقة الشعبية ومن سكان جهة الساحل...
بينما نموذج التونسي الأكثر تفاؤلا هو شيخ تجاوز الستين من عمره من الطبقة المرفهة ومن سكان الجنوب الشرقي...
نضيف هنا فقط أن الفوارق الجندرية ضعيفة إلى حد ما (3,1 نقطة) مقارنة بالفوارق العمرية (18 نقطة) والجهوية (17,6 نقطة) خاصة كما تبقى الفوارق الاجتماعية (10,7 نقطة).
مهمة إلى حدّ ما...
وهذا يؤكد مرة أخرى (لاحظنا ذلك سابقا في الانتخابات) أن أحد العناصر الأساسية في تلوين مشاعر التونسي ومواقفه هو انتماؤه الجهوي الإجمالي أي أن الفوارق الذهنية الأساسية هي فوارق ثقافية بالمعنى الأنثروبولوجي للكلمة دون أن يعني بالمرة أنها فوارق محددة بصفة قسرية لسلوكيات معينة أو أنها تحدث شرخا في وحدتنا الوطنية...
مفارقات
رغم غلبة التشاؤم على التونسيين بصفة واضحة فإن ثقتهم في السلطة التنفيذية برأسيها بقيت مرتفعة. بل ربح رئيس الجمهورية حوالي خمس نقاط إضافية بينما غنم رئيس الحكومة 2,3 من النقاط ونحن أمام هيكلة متقاربة: ثلثان من الراضين وثلث من غير الراضين ولكن الراضين تماما عن أداء رئيس الجهاز التنفيذي هم في حدود الربع فقط بينما يبلغ عدم الراضين بالمرة الخمس.. وهذا يعني أن هيكلة الرضا تبقى نسبية إلى حد كبير وأن قاعدتها الصلبة ضعيفة إلى حد ما...
ناجي جلول يستعيد الطليعة
بعد أن فقد صدارة الترتيب في شهر جانفي الفارط لفائدة عبد الفتاح مورو نائب رئيس مجلس نواب الشعب، يعود ناجي جلول، وزير التربية، إلى الصدارة من جديد متقدما بوضوح على البقية...
خماسي الطليعة لم يتغيّر منذ شهر جانفي الفارط... الترتيب فقط هو الذي تبدل... لقد أشرنا إلى المرتبتين الأوليتين... ونفس الشيء حصل مع صاحبي المرتبة الثالثة والرابعة... فالباجي قائد السبسي يتقدم برتبة على حساب الحبيب الصيد بينما يبقى المهدي جمعة محافظا على مرتبته الخامسة...
الملاحظة الوحيدة بالنسبة للخماسي الثاني (من المرتبة السادسة إلى العاشرة) هو خروج حمادي الجبالي ومحمد الناصر من هذه المراكز والصعود القوي لسعيد العايدي من المرتبة 17 إلى المرتبة 6 وكذلك الطيب البكوش من المركز 19 إلى المركز 10.. ويتمّم هذا الثنائي سامية ومحمد عبو وسمير ديلو...
وهذا ما سمح لهذه الشخصيات الندائية خاصة من التواجد في المراكز الأولى بالنسبة لمؤتمر الثقة الخاص بالقاعدة الانتخابية الندائية حيث نجد بعد ناجي جلول سعيد العايدي فمحمد الناصر ثم الطيب البكوش وبشرى بلحاج حميدة.
أما الخماسي النهضوي فهو يكاد لا يتغير منذ أشهر عديدة: عبد الفتاح مورو فحمادي الجبالي وعلي العريض ثم سمير ديلو وراشد الغنوشي في مؤشر المستقبل السياسي للشخصيات العمومية يعود كذلك ناجي جلول للصدارة بـــ 44 نقطة ويبقى مطاردا بثلاثي يتكون من عبد الفتاح مورو (34) ومهدي جمعة (31) والحبيب الصيد (28).. سعيد العايدي يحقق قفزة هامة ويرتقي إلى المركز الخامس بــ 19 نقطة... وهنا نجد كوكبة العادة من محمد وسامية عبو والمنصف المرزوقي وحمة الهمامي وياسين إبراهيم وكمال مرجان وحمادي الجبالي...
لا شك أننا مازلنا بعيدين عن الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية) وان هذه الصورة سوف تتغير حتما خلال الأشهر والسنوات القليلة القادمة... ولكن نعلم جيدا أن من يستعد لانتخابات 2019 يبدأ بالإعداد لها من الآن...
ولكن كم من مغامرة سياسية بدأت في سبر للآراء وانتهت في سدة الحكم...
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي، مكونة من 1032 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas)حسب الفئة العمرية، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
طريقة جمع البيانات: بالهاتف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى: 3,0 %
تاريخ الدراسة: من 28 مارس 2016 إلى 29 مارس 2016
تونس – استطلاع للرأي مارس 2016
في عدد قادم
نظرة التونسي وتقييمه للأوضاع
ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل السياسية والإدارية