تحدثت «حنان السمايلي» امرأة امتهنت جمع المحار لـ12 سنة بمنطقة أجيم من ولاية مدنين واليوم لا تتمتع بضمان اجتماعي أو تغطية صحية تأمل أن تتحسن الأوضاع في المستقبل. واصلت قائلة «الوسطاء لم يتركوا لنا منفذا للتنفس أغلقوا الأبواب أمام آخرين يقدمون أسعارا أفضل مما يقدمونه هم. كما يستغلون قرار الإغلاق للضغط على السعر المقدم إلينا بتعلة أن عمليات الجمع تتم بشكل غير قانوني».والعملية غير القانونية هي نتيجة المنع الذي يكون بعد معاينة من المصالح البيطرية التي تؤكد وجود درجة تلوث او صغر الاحجام تمنع جمع المحار الذي يعد في مثل هذه الحالات خطرا على صحة الإنسان». فالمعهد التونسي لعلوم وتكنولوجيا البحار الذي تتمثل مهمته في القيام بكلّ أنشطة البحث والتجارب المتعلقة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بميدان علوم وتكنولوجيا البحار ومواردها ويقوم المعهد بجمع عينات من مناطق صيد المحار لإجراء اختبارات التلوث وينشر خرائط في الغرض لتحذير الصيادين.
غياب أي مخبر تونسي معترف به لدى الدول الأوروبية
على الرغم من انه في تونس هناك مخبر مختص بالبكتريولوجيا بمعهد البحوث البيطرية اما البيوتوكسين السام فيهتم به معهد باستور و يوجد ايضا مخبر الطحالب السامة بالمعهد التونسي لعلوم وتكنولوجيا البحار. الاشكال الكبير المطروح اليوم عدم وجود اي مخبر في تونس مصادق عليه وشهاداته معترف بها من طرف الدول الأوروبية لهذا يتم إرسال العينات إلى مخابر بايطاليا للتأكد من سلامتها.ما يوجد في تونس 13 مركز تنقية فقط مصادق عليها
لتطرح حنان التساؤل حول القنوات التي تقوم بتصريف المنتوج الذي لا يحترم المواصفات خاصة وانه إلى اليوم لا توجد تشكيات من المستهلكين حول وجود عوارض صحية نتيجة استهلاكهم للمحار.
التدقيق في مدى الخطورة التي يشكلها استهلاك المحار يجيب عنه عادل الهنتاتي خبير دولي في البيئة والتنمية المستدامة عمل في الأمم المتحدة يؤكد في قوله إن «المحار من الكائنات الحية المائية التي تلتهم الملوثات العضوية وتقضي عليها فإذا ما كان يعيش في منطقة تم رصد تلوث كبير فيها فإنه يصبح عاجزا عن القضاء على التلوث ويصبح يتغذى على الملوثات وبالتالي فان أي استهلاك يؤدي الى الموت» وان لم تسجل إلى اليوم أي حالة وفاة بسبب استهلاك المحار إلاّ انه يظل تهديدا جديا لصحة المستهلكين. يكتسب المحار الملوث ميزة جيدة وهي التلون بلون يؤكد إصابته.
«قد يكون مجمع للتنقية بالجهة حل»بنبرة من الأمل في صوت حنان وجل النساء بمنطقة أجيم ترددن ضرورة الالتفات إلى حالهنّ.
وتعد المعارض فرصة لهن لعرض ما جمعت أيديهن لبيع مباشرة دون وسيط لتكتشفن فظاعة الاستغلال الذي تلقينه فخلال معرض أقيم السنة الفارطة وخاص بالمنتوجات الفلاحية نجحت حنان في بيع الكلغ بـ10 دنانير.
مستقبل ضبابي
من جهتها تؤكد إيناس بالسعد نقارة عضو المكتب التنفيذي باتحاد الفلاحين التونسيين مكلفة بالمرأة الفلاحة ان صائدات المحار يعملن في ظروف صعبة جدا نتيجة عدم توفير مستلزمات الصيد من لباس خاص بهذا النشاط، منظمتان فقط قامتا بتوفير لباس خاص لم يكف لـ 20 امرأة فكلهن مهددات في سن الأربعين بأمراض الروماتيزم وتشقق الأقدام وأضافت إيناس أن المنظمة الفلاحية التونسية قامت من جهتها ببحث سبل بعث تعاونيات تضم الصائدات إلا أن مشكل التمويل حال دون ذلك ولاترى أن هذا المشكل سيحل في المستقبل، وتلقى النسوة ضغطا كبيرا من طرف الوسطاء باعتبار أن المحار سريع التلف ليقمن بالبيع بسعر ينزل إلى 1.5 دينار تونسي (0.66 دولار أمريكي) فيما يصل بيعه لاحقا في الأسواق بـ 25 دينار (10.9 دولار أمريكي) ودون إحاطة اجتماعية وغياب مركز توزيع فان هذا النشاط بدأ في الاندثار بالابتعاد عنه نتيجة التهميش المتواصل في كل الأزمنة.
الزمن الذي بدا كأنه لا يدور بنفس السرعة التي يتحدث عنها البعض و دورته أصبحت عكسية، «في التسعينات بلغ سعرالكلغ 13 دينار (5.6 دولار) اليوم نزل الى حدود 1.5 دينار (0.66 دولار) والبحر دائما مغلق كما حظنا بالحياة»،»لكن الوسطاء لايكفون عن قبول الكميات التي نقوم بجمعها» هندة فرنكة ام ل 5 اطفال اسعفها الحظ بان قامت بتربص في ايطاليا عادت بحسرة فقد ابدى الايطاليون اعجابهم بالمحار التونسي الذي له خاصية الجودة واللون المميز كما ان الطرق التقليدية لجمع المحار تحافظ على جودته ففي ايطاليا توجد آلات خاصة لجمع المحار،»وعدنا الايطاليون بان يقوم الاتحاد الاروبي بتركيز مخبر بتونس للقيام بالتحاليل والى اليوم لا توجد أي بوادر عن وجود جهود لتركيزه» وتمضي في سبيل حالها لتواصل رحلة البحث عن المحار المفقود هذا الموسم. راضية والتي كان لها من اسمها نصيب بنبرة الرضا تقول أنها أكثرمن 10 سنوات تقوم بجمع المحار وورثت النشاط عن أمها « فلا يوجد لدينا حل أمام تدهور مستوانا التعليمي» وان كان المستوى التعليمي ليس دافعا فشقيقتها في العطل تقوم بجمع المحار أيضا.
وفي 6 نوفمبر من العام الماضي تمكنت راضية من السفر الى ايطاليا لاحظت إعجاب الايطاليين بمحار تونس وبمذاقه وجودته الأمر الذي لم ينعكس على السعر في تونس.
فالوسطاء يشترون المحار من النساء بسعر لا يتجاوز 3 دنانير (1.3 دولار) ويباع ب20 دينار (8.7 دولار) لكن هذه السنة اختفى المحار بصفة ملحوظة نتيجة عقرب البحر «السلطعون»، الذي يأكل المحار.
تشكيك في طريقة رفع العينات
ويؤكد محمد القابسي مدير بالمجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بقابس مكلف بالصيد البحري انه من بين الـ 7 آلاف امرأة يعملن في البحر توجد الفا امرأة يقمن بجمع المحار «القفالة» والنشاط مركز بالأساس في جهات، صفاقس وقابس ومدنين وقلعة الأندلس بتونس الكبرى. تقوم العاملات بجمع القفالة لتبيعها فيما بعد إلى الوسطاء بسعر لا يزيد عن 4 دنانير (1.75 دولار) ويقوم الوسطاء بدورهم ببيع المحصول إلى مصدرين وتتوجه القفالة بعد جمعها بأياد دامية إلى ايطاليا واسبانيا بالأخص، النساء اللواتي اخترن البحر بعد أن ضاق البر يواجهن أيضا اضطرابات المواسم وغلق مواطن الصيد عندما تكون هناك شكوك بوجود مشاكل بيئية، تنعكس هذه الظروف على مستوى عيشهن ويصبح التقشف السبيل لحسن التصرف.
طريقة رفع العينات لاجراء التحاليل لا تتم وفق الضوابط اللازمة هكذا تحدث محمد القابسي لذلك النتائج محل طعن باعتبار لم يتم احترام المناطق التي يجب ان يؤخذ منها العينات. وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري لم تول العناية اللازمة بالبحارة ككل فهم مهمشون في جميع الازمنة.
من جهته أكد نجيب بوشويشة رئيس نقابة الصيد الساحلي بأجيم مدنين، أن مناطق جمع القفالة بمدنين مغلقة بعد أن تم رفع عينات منه وكانت النتائج ايجابية بوجود مواد حيوية سامة وهو ما يشكل تهديدا لصحة المستهلك لكن رغم هذا التحذير فان بعض الوسطاء يقومون بتشغيل النساء ويتم قبول الكلغ بسعر يتراوح بين 1.5 دينار (0.66 دولار امريكي) و2.5 دينار (1.10 دولار أمريكي) على أقصى تقدير.
و سعر المحار بايطاليا يبلغ 15 اورو للكلغ كما انه على الرغم من منع الجمع إلا انه لم ترد أية شكايات عن وجود حالات تسمم لدى المستهلكين. المحار ثروة تحتكرها مجموعة صغيرة على الرغم مما يمثله من ثروة توفر العملة الصعبة للبلاد فمعدلات الإنتاج تقدربالأطنان.
وتوجه الاتهامات لوزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية بعدم جديتها في فتح هذا الملف، والضحية في النهاية هن النساء اللواتي يعملن في جميع الظروف باجر زهيد. «ففي العام الفارط قمنا بمراسلات الى وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري التي تعد سلطة الإشراف والتي قامت بناء على هذه المراسلات بتكوين لجنة وطنية لأخذ عينة من المناطق التي تحوم حولها شكوك بوجود بكتيريا سامة، وكانت النتيجة ايجابية وهو ما يدفع إلى طرح تساؤل حول ما إذا ما كان المنتوج غير سليم فأين يروج المنتوج المجمع؟ التحاليل بالنسبة لولاية قابس كانت سلبية وأكدت عدم وجود بكتيريا سامة على الرغم من أن شاطئ قابس فيه اكبر نسبة تلوث. ليطرح تساؤل في مدى شفافية التقارير البيطرية المقدمة.
وقدّر رضا مرابط المدير العام للصيد البحري وتربية الأسماك، حجم الإنتاج للعام 2015 بنحو 1600 طن وينطلق الموسم من نوفمبر ويتواصل إلى شهر أفريل وتتم المتابعة من طرف الإدارة للأحجام التي يجب أن لا تقل عن 3.5 صنتيمتر ولهذا تتم المراقبة على طول الشريط الساحلي في 3 ولايات (قابس وصفاقس ومدنين) ويشغل القطاع يشغل نحو 2000 مجمع «لقاط» وهن نساء في الغالب.
وعلى الرغم من تشديد الرقابة في مناطق الصيد وحتّى في مناطق التصدير الا انه توجد تجاوزات لذلك يتم عقد اجتماعات لتحسين طريقة الجمع خاصة. والأسواق التي يتم التصدير إليها هي أساسا ايطاليا وفرنسا ولم يتم تسجيل أي تشكيات في الموسم الفارط.
وتتدخل سلطة الإشراف لتنظيم القطاع ومن المنتظر ان يتم بعث مجامع ستقوم بتحديد السعر وتتكفل بالخزن في ظروف ملائمة وفق المدير العام للصيد البحري وتربية الأسماك ويوجد اليوم مجمع في «غنّوش» من ولاية قابس وسيكون قريبا مجمع آخرفي ولاية مدنين وذلك في إطار السعي لإنشاء منظومة متكاملة يساهم فيها المجمع في مراقبة الأحجام من خلال عمليات الجمع والتصدير.
كنوز البحر لم نلاحظ انعكاسها على حالات النساء المنتشرات في البحر في فصل قاس، القسوة لم تمنعهن من النزول والصعود دون كلل او ملل يرسمن زوايا قائمة سرعان ما تنفرج بانفراج أساريرهن بالعثور على مبتغاهن ينتهي نهارهن على أمل أن يكون الغد أفضل.
وبوجوه متعبة وأياد أدمتها ملوحة البحر وزاد تهميش السلطات المعنية لهن في معاناتهن وزرع اليأس شيئا فشيئا عدن نهاية النهار بما قُسم لهن لهذا اليوم، مضت حنان والمجموعة التي تنتمي إليها ولسان حالهن يقول نعيش على البقايا ومع ذلك نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا.