تحسبا ليوم قد يجدان فيه نفسيهما يتصافحان ويتشاركان الحكم والتسيير.
في الحرب العالمية الثانية ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على مدينتي «هيروشيما» و»ناجازاكي» اليابانيتين لتجبر اليابان على الاستسلام في أوت 1945. لكن المدينتين المنكوبتين لم تكنا فقط من قررت الإدارة الأمريكية برئاسة هاري ترومان، قصفهما بالقنابل النووية فقد جهزت 6 قنابل أخرى، إحداها كانت ستلقى على مدينة “كوكورا”.
هذه المدينة التي تراجع هاري ترومان عن قصفها لسبب شرحه لاحقا بأنه ترك مكانا يمكنه فيه مصافحة الإمبراطور الياباني، هذه الحكمة القائلة بان لا تغفل عن ترك الباب مفتوحا دائما لتجلس مع عدوك وتتصافحا إعلانا عن نهاية العداء.ففي السياسة لا عدو دائم ولا صديق دائم وحدها المصلحة دائمة، كما يقول ونستن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق.
هذه الحقيقة شبه الثابتة في السياسة يدركها كل من القائمين على حركة النهضة وحركة مشروع تونس، رغم أن الخطاب اليوم يعلن العداء ويجاهر به كما فعل محسن مرزوق منسق المشروع في اجتماع القبة الرياضية بالمنزه، حينما أعلن أن حزبهم لن يتحالف مع حركة النهضة.
فما يفرق بين مشروع تونس وحركة النهضة الكثير، المرجعية والتصور المجتمعي وبالأساس مزج النهضة السياسة بالدين، هذه الموانع تحول دون ان يتحالف المشروع مع الحركة لكنها لا تحول دون ان يتعايشا معا.
فالتعايش أو اليد المبسوطة للتصافح في وقت لاحق يفسرها محسن مرزوق، المنسق العام للمشروع بأنه تعايش في الحياة السياسية وفي مجلس نواب الشعب، وهذا لا يعني غياب الاختلافات الجوهرية بينهم وبين النهضة، وفق قوله.
هذا الحذر وتجنب غلق الباب بقوة أمام احتمالات عدة، اقلها أن الانتخابات تجبر المشروع على ان يكرّر ما قام به نداء تونس، الذي بدوره كرر في وقت سابق انه لن يتحالف مع النهضة، ولكنه فعل وباتا حليفين في الحكم وبعض الخيارات السياسية.
واحتمال ان تكون نتائج الانتخابات مشابهة لنتائج انتخابات 2014 يدركه العقل السياسي للقائمين على مشروع حركة تونس والنهضة أيضا، لهذا يتجنب كلاهما في التصريحات الإعلامية او في أجوبتهما إبداء العداء بينهما،او تصعيد الخطاب او غلق الباب أمام إمكانية اللقاء.
فمحسن مرزوق الذي قال في تصريح لـ«المغرب» أن لا عداء بينه وبين النهضة وإنما تنافس سياسي في اطر ديمقراطية، وان المشروع لا يقدم نفسه بإعلان انه ضدّ أي طرف بل يقدم نفسه كحزب سياسي يتبنى المشروع الوطني العصري ويراهن على الفوز في الانتخابات ليكون قادرا على الحكم بمفرده اوان يكون هو الحاكم الأول إن فرض عليه إنشاء ائتلاف حكومي مع حلفاء أقرب إليهم وان لم تسمح نتائج الانتخابات بذلك سيتركون القرار بيد المنخرطين في المشروع.
والقرار الذي عناه محسن مرزوق وشرحه من قبل في ندوة صحفية هو التشارك في الحكم مع حركة النهضة، وهنا يشرح أكثر ان التشارك لا يعني التحالف وان التوافق لا يعني الانصهار، فعقلانية محسن مرزوق التي تبرز بعيدا عن الخطابة الحماسية وتتجسد في خطاب لا يغلق الباب أمام أي لقاء محتمل مع حركة النهضة.
هذا اللقاء الذي ان تم يحرص مرزوق على ان يضعه في إطار الاكراهات السياسية التي وإن أجبرت المشروع على ان يكون في الحكم مع حركة النهضة، سواء على الصعيد المحلي او الوطني، فان ذلك سيكون مع الحفاظ عن الاختلافات والتباين.
فان يكونا كلاهما في الحكم لا يعني بالنسبة للمشروع ان يقع العمل بسياسة التوافق التي تمنع النقد او الاختلاف ولا تعني ان هناك تحالفا، بل هي التقاء في ائتلاف حكم كما يقع في الديمقراطيات العريقة.
عدم لعن المستقبل هو ما تتبعه ايضا حركة النهضة، حيث اشار سمير ديلو الى ان حركته لا تعتبر الخطابات الحماسية التي تعلن عن عدم التحالف معهم أمرا يستحق الردّ، دون ان يغفل عن الإشارة إلى أنهم لم يتوجهوا إلى الحزب الجديد بمقترح التحالف او الالتقاء معه.
فحركة النهضة ووفق سمير ديلو لا تعتبر ان لها أعداء في الساحة السياسية وإنما منافسين قد تجمعها معهم محطات او اكراهات الواقع وضرورات العمل السياسي، لذلك هي لا تستعجل بوضع خطوط حمراء أمام اي طرف فهي تدرك بحكم تجربتها السابقة انها قد تضطر بدورها لان تكون في الحكم مع المشروع.
الحسم اليوم بالقول ان الحركتين لن تلتقيا في المستقبل القريب امر موغل في الانطباعية التي لا مكان لها في السياسة، وربما قد تكشف نتائج الانتخابات البلدية ان جلوس الطرفين على ذات طاولة الحكم المحلي امر لا مفر منه لكليهما لذلك عليهما ان لا يلعنا بعضهما من الان.