به الحكومة ينص صراحة على رفع السر البنكي دون اذن قضائي وذلك حتى في إطار مراجعة جبائية أولية... من منّا قد نسي أن جل نواب الأغلبية كانوا قد اسقطوا هذا الفصل في لجنة المالية ابان عرض مشروع قانون المالية لسنة 2017 وأنه قد تكتلت ضده حينها عدة قوى سياسية واجتماعية وبعض اللوبيات أيضا... ونذكرجيدا « الحرب» الضروس التي قامت في البلاد بشأن جباية المهن الحرة وخاصة المحاماة... وبعد مشاهد بعضها لا يليق بديمقراطية تمثيلية تم التصويت على اخضاع كل أصحاب المهن الحرة إلى واجب التنصيص على كل الوثائق (باستثناء الوصفات الطبية) على معرفهم الجبائي علما أن نسبة العاملين في «القطاع الموازي» في بعض هذه المهن (أي الذين يشتغلون دون باتيندة) قد تجاوز 40 ٪ (نعم هكذا).
والمؤمل من هذا الاجراء الجديد أن يدخل في القطاع المنظم كل أصحاب المهن الحرة بداية وأن تحقق الأضواء الكاشفة لادارة الجباية بفضل هذا الاجراء الحد الأدنى للعدالة الجبائية المرجوة...
لاشكّ أن الأغلبية الحاكمة لم تبدد كل الشكوك ضدّها عندما رفضت مقترحا تقدمت به كتل ثلاث وهي: المشروع والجبهة والديمقراطية للتنصيص على منع استعمال النقد في كل العمليات التجارية التي يتجاوز مبلغها 5 آلاف دينار... وان كان الفصل 16 في قانون المالية التكميلي لسنة 2014 يلبي جزئيا هذا المطلب بتجريمه امتلاك مبالغ نقدية تتجاوز 5 آلاف دينار دون تبرير مصدرها إلا أن الحرص على إضفاء مزيد من الشفافية كان يقتضي التنصيص على منع كل عملية تجارية تلجأ إلى النقد في ما يفوق 5 آلاف دينار.
لقد كنا نخشى أن تذهب الأفكار الاصلاحية المتضمنة في مشروع قانون المالية في نسخته الأصلية في خبر كان بحكم تحالف المصالح والفئويات والقبائل ضدها.. ولكن وبعد أن تمكنت الحكومة و في آخر لحظة من ابرام اتفاق مرضي للغاية مع اتحاد الشغل اشتغلت وبأقصى السرعة حتى لا تنهار العناوين البارزة للاصلاح: العدالة الجبائية والامكانيات القانونية - عبر توسيع مجالات رفع السر البنكي - لمتابعة التهرب الضريبي والاثراء غير المشروع وشبكات التهريب والفساد... وفي المحصلة ورغم كل انتقاداتنا ومخاوفنا أثناء الطريق لا بد من الاعتراف بأن هناك نجاحا لا بد من التنويه به رغم كل الثغرات - وهي كثيرة - في مشروع هذا القانون.. ولكن لا يمكن ألا نعترف بأننا أمام مشروع قانون فيه وعي كبير بخطورة وضعية المالية العمومية وفيه حرص على تحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية والجبائية من تخفيض في نسب الضريبة على الدخل للأشخاص الطبيعيين من الأجراء الذين تقل رواتبهم عن 1800 دينار شهريا وكذلك تشجيع بعث المشاريع الصغرى وبرنامج التشغيل «عقد الكرامة» وتوفير التمويل الذاتي للمنزل الأول للطبقات الوسطى...
لا شك أن النجاح أو الفشل يكمن في التطبيق لا في النصوص وأن العراقيل مازالت كثيرة وأن الاصلاح في هذه البلاد التي تطغى عليها القبليات والفئويات ليس أمرا هينا..
ولكن هناك اليوم خطوة جدية في الاتجاه الصحيح.. خطوة سعت لها الحكومة وأيدت بعض توجهاتها المعارضة والتحقت بها في النهاية أحزاب الائتلاف الحاكم وحصل حولها توافق هام داخل الرأي العام الذي ضغط بدوره على الجميع ليتم تجاوز الحسابات الضيقة...
قلنا هذه خطوة أولى في الاتجاه الصحيح ولكن الحذر واجب لأن الخطوات القادمة الاصلاحية والعملية ستكون أعسر وأوسع من هذا اذ ينبغي أن يلمس التونسي تحولا في محيطه اليوم كما أننا أمام اصلاحات هيكلية عميقة تحتاج شجاعة كبيرة والمراهنة على المستقبل بدل الحسابات الآنية الضيقة.